جاء مؤتمر الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب السابع والعشرين في العاصمة الإماراتية أبوظبي والذي أطلق على ندوته الفكرية المصاحبة «ثقافة التسامح وبناء الهوية بين الأنا والآخر»، ليجمع مزيجاً رائعاً من كتاب ومفكرين وأدباء عرب، وكان استقبال سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة في دارة الدكتور سلطان القاسمي للدراسات الخليجية، والتي يعتبرها جزءاً من بيته ما هو إلا تكريم لكل المثقفين العرب.

إن زيارتنا كوفود من دول عربية مختلفة والجلوس مع سموه في حديث شيق يحمل رسائل ذات معاني عميقة مستنداً فيها على السياسة الحكيمة والثقافة الرصينة، حيث كان يردد ويؤكد بين موضوع وآخر على دور الأدباء والكتاب في توصيل الكلمة وخصوصاً في هذا الوقت الذي يعيش فيه الوطن العربي وضعاً غير مستقر، وضرورة الارتقاء بالذائقة الأدبية حيث أصبح القارئ العربي الآن على قدر كبير من الوعي، وكيف للفكر العربي أن يصل إلى العالمية مع احتفاظه بلغته العربية الأصيلة وضرورة انتقاء الترجمة الدقيقة للأعمال الأدبية العربية على يد أدباء متذوقين ومتمكنين من فهم اللغة العربية واللغة التي تترجم إليها الأعمال الأدبية حتى نتمكن من نشر ثقافتنا للقارئ غير العربي بشكل صحيح. كما أكد في حديثه على ضرورة التمسك بهويتنا الوطنية وترسيخ قيم التسامح وثقافة قبول الآخر وضرورة احترامنا كعرب لباقي الشعوب والتعايش معهم من أجل تحقيق الاستقرار والسّلام في الوطن العربي والعالم كافة.

هذا المثقف الحاكم صاحب المشاريع والمبادرات الثقافية العديدة ذات الرؤية العميقة لم يغفل عن دور الشباب في تحقيق التنمية المستدامة وبناء مجتمعات الوطن العربي على أسس العلم والمعرفة الرصينة وضرورة الاهتمام بالكلمة الصادقة وتعزيز دور الشباب الجديد ورعايته وتوجيهه وتوعيته والأخذ بيده لتحمل المسؤولية والتفاعل في مجال الأدب والكتابة، مؤكداً على أن النجاح لا يتحقق إلا بأدباء مبدعين وأقلام يانعة تتأسس على خطى كبار علماء الفكر العربي والمثقفين.

شخصية الشيخ الدكتور سلطان القاسمي الثقافية تلتقي فيها جميع الثقافات، فبهذه الرؤية الشاملة والواعية شهدت الشارقة الثقافية على يد سموه انتعاشاً ثقافياً كبيراً وإنجازات واضحة ساهمت في إعلاء الثقافة العربية، وما فوز سموه بجائزة شخصية العام الثقافية لجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2010 إلا تقديراً لإنجازات سموه وعمله الدؤوب من أجل الثقافة.

عندما سألتُ سموه ونحن في جولة بمكتبته الخاصة والتي تضم نفائس الكتب والمخطوطات: منذ متى وأنت تجمع كل هذه الكتب ومتى قرأتها وكيف حصلت عليها؟ ليكون الرد من سموه قائلاً «إن أول كتاب وقعت عيناي عليه عندما كنت في الثالثة من عمري هو كتاب «الحيوان للجاحظ «في مكتبة عمي الأديب الشاعر سمو الشيخ سلطان القاسمي رحمه الله، وسعيت لاقتنائه وأنا في العاشرة من عمري بعد مراسلتي لمكتبة المؤيد بالبحرين حيث قرأت اسمها مكتوباً على الكتاب من الداخل، وكنت أراسلهم بالبحرين لمدة أربع سنوات على التوالي حتى ذهبت لأزور المكان الذي يزودني بالكتب في منطقة المنامة لأشكرهم لأن بدايات قراءاتي للكتب كانت من البحرين».

إن إنجازات سموه من أجل دعم الثقافة العربية لامعة واضحة، فالمشاريع التي أطلقها تصب أولاً وأخيراً في صالح الارتقاء بالفكر العربي وضمان حياة المشتغلين به من المفكرين والأدباء كصندوق الضمان الأدبي تحت رعاية الاتحاد العام للكتّاب والأُدباء العرب حتى يقوم بدوره في دعم ورعاية الأدباء والكتّاب مادياً، ومشروع الاهتمام الخاص والرعاية لبلدان العمق الإفريقي، والبرامج الخاصة لتعليم اللغة العربية لدولة جنوب السودان والخطط المستقبلية للدول الإفريقية كافة ومشاريع ترجمة الكتب وغيرها من المشاريع المحلية والإقليمية والتي تحرص على الحفاظ على كرامة وقيمة الأدب والفكر العربي والمبدعين فيه.

إن كل هذه المبادرات التي تتبناها دولة الإمارات العربية المتحدة ماهي إلا كرم وحب للعروبة والوطن العربي وللأدباء والكتاب كافة، وهي الدليل على أنها أرض خصبة للثقافة والتسامح والتعايش وجمع الشعوب ومساعدتهم في مجالات عديدة تأتي الثقافة من أولوياتها، كل ذلك على يد حكام يقدرون قيمة الفكر الثقافي العربي.

فشكراً لحكام يسعون ويعملون في كثير من المجالات الثقافية كالشعر والسينما والمسرح من أجل توحيد العرب من مشرقها إلى مغربها حول رسالة عربية صادقة، توحدها الكلمة والثقافة. فتحقيق النجاح والتميز لن يتأتى إلا باندماج العرب وتعارفهم وتعايشهم مع الآخر من خلال الأدب والمعرفة والثقافة والابتعاد عن السياسة، فالثقافة هي بوصلة تقارب الشعوب والسياسة هي فقدانها.