نحن مجتمع، مهما ادعى بأنه يبحث عن الطاقات والكفاءات في صفوف أبنائه، إلا أننا مازلنا نعاني من «عقد» مهنية عديدة، فـ«عقدة الأجنبي» مازالت مستمرة وتثبتها الأرقام، وتقرن ذرائعها بندرة التخصص، رغم أن مقارعة ذلك موجودة على أرض الواقع، بموازاة ذلك لدينا عقدة «محاربة الكفاءات»، و«أصحاب القيم»، وهي حرب يقيمها للأسف بعض المسؤولين، فقط خوفاً على «الكراسي»، ورغبة في إبعاد كل «نظيف» و«مؤهل» يرونه يشكل «تهديداً» عليهم.

المجتمعات لا تتقدم إطلاقاً، إن ظلت هذه الطرائق «غير السوية» في الإدارة مستمرة، بل المجتمعات «تنهار» إن كانت تسمح بهذه الممارسات، والتي هدفها «قتل» ثروتها البشرية، بالأخص التي يعول عليها في المستقبل.

تمعنوا في القصة أدناه، والتي تكشف عن نوعية العقليات السوية والذكية التي تعمل على اكتشاف القدرات وتطويرها، والأهم الاستفادة القصوى منها.

تحكي القصة أن مالك إحدى الشركات من الأثرياء سألته الصحافة يوماً: كيف يعقل بأن لديك في شركتك قرابة 45 شخصاً يعملون معك، وكلهم يعتبرون من أصحاب الملايين؟! كيف أقنعت 45 مليونيراً بالعمل لديك؟!

أجاب صاحب الشركة على الفور بأن هذا العدد حينما بدؤوا العمل لديه -أو معه- لم يكونوا مليونيرات!

ومضى ليفسر كلامه ويكشف السر من وراء عمله، والذي جعل هؤلاء الـ45 شخصاً يصلون لما هم عليه الآن. إذ قال: «إخراج أفضل ما في الناس يشبه البحث عن الذهب. فعندما تبدأ في البحث عن الذهب، يجب أن تحفر عميقاً وأن تزيل القشرة الخارجية من التربة، ثم تخرج كماً كبيراً من التراب والوحل. يجب أن تستمر في الحفر وإزالة التراب حتى تكتشف عرق الذهب. وأنا أفعل نفس الشيء مع العاملين في شركتي، فأنا أستمر في الحفر حتى أجد عرق الذهب في كل واحد منهم».

انتهت القصة، وهنا نقول بأن القائد الإداري الناجح، القائد النموذج هو الذي يتخلص أولاً من «عقد النقص» لديه، هو الذي يمتلك الثقة بنفسه وقدراته، وهو الذي يحول نفسه إلى «أداة حفر» تكسر الصخور لتجد «الذهب» بداخلها، هو الذي يتحول إلى «قدوة» في المقام الأول للعمل وفق المبادئ والأخلاقيات، وبسعي للتطوير والتأهيل. وعليه القائد الإداري هو الذي يحول من يعملون لديه أو معه إلى «نجوم»، ينقلهم من المستوى العادي إلى المستوى المتقدم، لا عبر إقناعهم بأن الإدارة فقط علم يدرس، ويتم التنظير فيه، بل الإدارة في أساسها ممارسة، قد تصقلها النظريات والخطوات المجربة، بل هي سعي للبحث عن أفضل ما يملكون -أي الموظفين- وتحويلهم إلى «محترفين» فيما يبدعون فيه.

السؤال لنا الآن، هل يمكننا العمل بأسلوب «صناعة النجوم» واستخراج الذهب من داخل كل موظف نحن مسؤولون عنه؟! والأهم، هل يمكننا القبول بتهيئة الأرضية وتنقية الأجواء وتوفير الدعم لهؤلاء الموظفين ليتفوقوا ويخرجوا أفضل ما لديهم، ليصلوا ربما ليوم ما يتفوقون فيه حتى على أساتذتهم، أو مسؤوليهم؟!

النظرة الضيقة التي نجد كثيراً من المسؤولين ينظرون وفقها لمثل هذه الأمور، تتمثل وللأسف لا بتمكين الشباب والطاقات والكفاءات، بقدر ما هي رغبة في «تحطيم» هؤلاء، لقناعة «موغلة في المرض» بأن سطوع نجمهم، وتفوقهم يعني «نهاية» استمرارية لإدارات لم تنجح في خدمة الصالح العام بقدر ما نجحت في خدمة المصالح الشخصية لهم أو للشللية حولهم، بالتالي الوطن يُحرم من اكتشاف أكبر موارده، ويخسر من خلال دفن أغلى أنواع «الذهب» التي يملكها، يتم دفن هؤلاء، تضييع كفاءات، تهاجر قدرات، ونغرق أكثر في التخبط الذي يقود للفشل.