عندما يستخدم من يعتبر نفسه رئيساً لجمعية سياسية «وإن كانت منحلة» مفردات مثل «مزبلة، عفنة، نتنة» ليصف بها القضاء، ويضيف بأنها في «أدنى درجة من النزاهة والنظافة والعدالة»، ويعتبر من لا يوافق على هذا القول «مثله» فإن هذا يعني أنه «فصخ الحيا»، وأكد أنه يعيش حالة الهزيمة والضعف وأنه لم يعد يملك غير السب والشتم لعله يعيد إليه التوازن، حيث السب والشتم لغة الضعيف والمهزوم وليست لغة «الصمود». وعندما يتبين بأن القائل هنا من الذين يرتدون العمامة فهذا يعني أموراً أخرى يفترض أن تناقشها الجهة التي سمحت له بوضعها فوق رأسه والتنقل بها، فللعمامة حقوق ينبغي ممن يرتديها عدم تجاوزها وإلا فقدت قيمتها وضاعت «الهيبة». ترى أي هيبة بقيت للعمامة وهي تسمع مرتديها يسب ويشتم وتراه في هذه الحال؟

من يشتغل في السياسة وينشغل بها عليه أن يتوقع كل شيء في كل وقت، وعليه أن يضبط أعصابه ويضعها في الثلاجة، وأن يستوعب كل ما يطرأ. أما من لا يجد وسيلة للتعبير عن موقفه ورأيه غير السب والشتم فهذا يعني أنه من الأساس دخل في مساحة لا تناسبه. أما القضاء فلا يمكن أن يكون «على كيفه»،

ولا يمكن للقاضي أن يأخذ بالكلام المرسل ولا تحكمه العواطف، فمن أخطأ وتوفر الدليل على تورطه عوقب بالقانون، ومن لم يتوفر الدليل على تورطه وتبين أنه بريء فلا يملك القضاء غير تبرئته.

القضاء في البحرين نزيه، والقاضي يضع في حسبانه الآخرة قبل الدنيا، لهذا لا يمكن أن يصدر أحكاما من دون توفر الدليل ولا يمكن أن تصدر أحكامه استناداً إلى موقفه الشخصي من المتهم أو لإرضاء شخص أو جهة، وإلا كان من الذين لا يستحقون شغل هذه المسؤولية التي إن تجاوزها أردته نار جهنم.

اتهام القضاء بالانحياز للحكم أمر سهل، وقول ذي العلاقة بأن الحكم الذي صدر ضده ظالم أو مسيس أمر وارد ومتوقع، لكن إن لم يتوفر الدليل على الانحياز والظلم والتسييس صار القضاء هو المظلوم، وهذا باختصار هو حال أولئك الذين أقحموا أنفسهم في عالم السياسة واعتبروا أنفسهم «مناضلين ومعارضين وفي ثورة»، فكل حكم يصدر ضدهم، وكل حكم لا يرضيهم، اعتبروه منحازاً للحكم وقالوا عنه إنه مسيس وسلبوا من القضاء صفة العدل.

في كل الأحوال، إذا كان مستوعباً قول من صدرت الأحكام ضده بأنه مظلوم فالأكيد أنه غير مستوعب وغير مقبول أن ينبري معمم لينعت القضاء بمثل تلك النعوت ويخرج عن «شروط ارتداء العمامة»، فما قاله ذاك الشخص عن القضاء في البحرين أمر غير جائز وبعيد عن العادات والتقاليد والأعراف والأخلاق، وبعيد عن الدين والشرع، فليس هكذا هو خلق المسلم، وليس هكذا الخلق لو أنه اعتبر نفسه سياسياً ومشتغلاً بالسياسة ومنشغلاً بها.

كل الذين صدرت في حقهم الأحكام حصلوا على كامل حقوقهم ومروا بكل درجات التقاضي التي يضمنها القانون، لهذا فإن كل قول يطعن في هذا الأمر مرفوض ومردود عليه، وبالطبع فإنه مرفوض أيضا أن يفقد معمم أعصابه ويكيل للقضاء ما يشاء من تهم، ومرفوض استخدامه ألفاظا نابية تسيء إلى العمامة التي يضعها فوق رأسه وإلى الجمعية التي يعتبر نفسها رئيسها، وإن كانت منحلة.

إذا كان هذا هو حال «القيادي والسياسي والمعمم» فكيف هو حال من هم دونه؟ وأي شيء يمكنهم أن يتعلموه منه؟ ما صدر عن ذاك الشخص مرفوض لأنه غير لائق ومتجاوز للأخلاق والأعراف، ومهين للعمامة التي تستريح فوق رأسه.