الخلاف بين الدول أمر وارد في كل حين، حيث الأكيد أن كل دولة تدافع عن مصالحها وتعمل من أجل شعبها وبالتالي يمكن أن تختلف مع العديد من الدول كون تلك الدول أيضاً لها مصالح تدافع عنها وتعمل من أجل شعوبها أو من أجل غايات تعرفها. واختلاف المواقف من الأحداث والتطورات والمستجدات أمر وارد أيضاً، فكل دولة تعمل على تقليل هامش خسارتها وتوسيع هامش مكاسبها. وهذا وذاك يدخل في الطبيعي. والأكيد أن تضارباً في المصالح وفي المواقف يمكن أن يحدث في كل حين ويؤدي إلى خلاف قد يصل في بعض الأحيان إلى التوتر أو ما هو أكثر من التوتر. غير الطبيعي وما لا ينبغي أن يكون هو الدخول في مساحات بعيدة عن الدين والأخلاق والعادات والتقاليد والأعراف وإحداث الجروح بالكلمات الناقصة، فهذه الأمور يصعب اندمالها ومحوها من الذاكرة وهي عكس الخلافات بين الدول والتي تحكمها في الأساس السياسة، حيث السياسة تتيح فرصاً للتصالح والعفو عما مضي وفتح صفحة جديدة في أي لحظة بناء على حصول المتغيرات بينما العلاقات بين الشعوب لا تحصل مثل هذه الفرص.

رؤساء الدول والوزراء والمسؤولون إن التقوا يقررون في لحظة حل كثير من المشكلات العالقة بين دولهم، وهم لا يجدون الحرج في الالتقاء لأنهم يعرفون أن كل مواقفهم وكل ما صرحوا به هو من حقهم ومبررهم هو الدفاع عن مصالح دولهم وشعوبهم، لهذا ليس غريباً أن يلتقي رئيس هذه الدولة برئيس تلك الدولة بعد خلاف شديد ومقاطعة ويحصل كل منهما على حقه من الاحترام والتقدير وما يفرضه الإتيكيت، وليس غريباً أن يعلنا التصالح في أي لحظة، وليس غريباً أيضا أن يلتقي الوزير من هذه الدولة بالوزير من تلك الدولة ويخاطبان بعضهما بكل احترام والابتسامة تملأ وجهيهما، فأحدهما يعرف أن كل ما صرح به الآخر وإن كان سالباً ومتجاوزاً هو من ضمن عمله ومهامه ودوره، وهكذا بالنسبة للمسؤولين الآخرين، فهم يمارسون العمل السياسي الذي أساسه الدفاع عن المصالح ونسيان كل ما قيل فترة الخلاف.

الجروح التي لا تندمل هي تلك التي تحدث من الخلافات بين الشعوب، لهذا فإن من المهم في حال حصول خلاف بين أي دولتين أن تحرص الشعوب على عدم الدخول في المساحات المؤذية التي مثالها التطاول على الحكام، ومثلما أن الناس في هذه البلاد لا تقبل أن يشتم رئيسها، كذلك فإن الناس في البلاد الأخرى لا يقبلون هذا الفعل على رئيسهم، عدا أن الشتيمة ليست من أخلاق المسلم والعربي، والتطاول على رموز الدول أمر بغيض ويتسبب في إحداث الجراح صعبة الاندمال.

من دون الحاجة إلى تسمية الدول والأفراد فإن الملاحظ أن البعض لا يزال يصر على الدخول في مثل هذه المساحات ولا يتردد عن التطاول على رموز الدول التي هي في خلاف مع الدولة التي ينتمي إليها، ولأن نتائج هذا الفعل مؤذية وتوسع من الخلاف والجراح لذا ينبغي العمل معا على وضع حد لهذا الذي يفعله البعض بفرض التوقف عن ممارسة السب والشتم والتطاول على الرموز والحكام وصولا إلى محاسبة المتورطين في مثل هذا الفعل السالب والبعيد عن أخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا.

الخلاف بين الدول مهما طال وتعقد فإنه سينتهي ذات يوم وسينسى السياسيون فيها كل ما جرى وكل المواقف وكل التصريحات التي صدرت عن المسؤولين فيها مهما كانت قاسية، لكن الجروح التي نتجت عن دخول البعض في تلك المساحات المؤذية يصعب نسيانها وقد لا تطيب. فهل من مبادرة للبدء في مشوار منع السب والشتم بوقف التطاول على الحكام والرموز؟