نواصل في الجزء الثاني من المقال، التعليق على كتاب «الصين والعالم: رؤية الصين للعالم ورؤية العالم للصين»، لأخي السفير الدكتور سيد شلبي. جاء انضمام ماوتسي تونج للحزب منذ البداية وبدعم من زعيم صيني آخر هو شوان لاي الذي تعلم في فرنسا وتعرض للثقافة الغربية وثقافة اليابان وغيرها من الدول بينما ظل ماوتسي تونج رهينة التراث الماركسي ثم اكتشف عدم ملاءمة هذا التراث للثقافة والتراث الحضاري الصيني ولا لمرحلة التطور الصيني حيث كان الفلاحون يشكلون السواد الأعظم.

وقدم ماوتسي تونج تقريره الأول عن الفلاحين وهو ما اعتبر هرطقة من وجهة نظر الماركسيين الصينيين التقليديين وبعد مد وجذب في قيادة الحزب برز في المقدمة ماوتسي تونج كزعيم للحزب في أوائل ثلاثينات القرن ثم أصبح الزعيم الأول للحزب وقدم عدة اجتهادات نشير إلى أبرزها:

* نظرية الثقافة في كتابه «الثقافة الجديدة».

* نظرية المتناقضات الحميدة والمتناقضات الخبيثة وإمكانية تحول إحداها للأخرى وفقاً لأسلوب التعامل معها.

* نظرية الثورة الدائمة والتي تبناها تروتسكي وإن اختلف تفسير ماوتسي تونج عن منهج تروتسكي على المفهوم وارتباطه بالتراث الصيني.

* دور الفلاحين في المسيرة الكبرى من جنوب الصين إلى شماله، ودور القوات المسلحة التي أنشأها ماوتسي تونج باسم جيش التحرير الصيني PIA والذي ظل حتى اليوم يحمل نفس الاسم وقد تم إنشاء الجيش عام 1927 وقام بتحرير الصين من ثلاثة أعداء:

الأول: الإقطاع والرأسمالية الذي تمثل في الحزب الوطني المسمى الكوفيتانج والذي تزعمه تشانج كاي تشيك وظل يقوده حتى وفاته بعد هروبه إلى جزيرة تايوان إثر انتصار الحزب الشيوعي بقيادة ماوتسي تونج له وانتصاره في الحرب الأهلية من عام 1945 إلى 1949 حيث أعلن ماوتسي تونج قيام جمهورية الصين الشعبية.

الثاني: الاستعمار المتعدد الأطراف لمناطق من الصين والذي عبر عنه الاحتلال الياباني واحتلال عدة دول لمناطق في الصين ومن بينها بريطانيا والولايات المتحدة فحرر ماوتسي تونج الأقاليم المختلفة من احتلال وتدخلات الدول الأخرى.

الثالث: هو الفلسفة الماركسية التقليدية ولم يعادِها ماوتسي تونج ولكنه ابتكر فلسفته التي مزجت بين الفكر الماركسي التقليدي في مفهوم صراع الطبقات وقيادة البروليتارية بينما التراث الصيني كان يعطي دوراً واضحاً لقيادة الفلاحين ولحرب العصابات وهذه الممارسات الصينية غيرت من مفاهيم كارل ماركس ولينين وتناقضت مع تطبيق ستالين لها، ومن ثم برزت الخلافات النظرية والعملية بين التطبيق الصيني والتطبيق السوفيتي وإن لم تتعمق وتظهر بوضوح للعلانية إلا بعد حدوث المراجعة Revision في الاتحاد السوفيتي بعد موت ستالين ومن هنا بدأ الخلاف حول:

*النظرية والتطبيق.

* الأولويات الوطنية حيث طالب ماوتسي تونج القيادة السوفيتية بإعطائه السلاح النووي ورفض السوفيت ذلك ومن هنا وقع الانشقاق والخلاف حول مفهوم أمن كل دولة رغم الانتماء للشيوعية الماركسية نظرياً ولكنه اختلف من حيث التطبيق.

خامساً: لماذا نتناول هذا الإطار النظري للماركسية اللينية وفكر ماوتسي تونج وتناقضها مع الماركسية اللينينية الستالينية وما بعدها، السبب الرئيس فهم رؤية الصين للعالم ورؤية العالم للصين تستمد جوهرها من هذا الفكر الماركسي الصيني وتناقضه مع الفكر الماركسي الروسي ومع الفكر الليبرالي الغربي الداعي للرأسمالية والديمقراطية، وكما هو معروف فإن أي حركة سياسية دون أساس فلسفي ورؤية فلن تنجح ولن يكتب لها الاستمرار.

سادساً: الرؤية الصينية كانت تتسم بالآتي:

1- الوضوح.

2- الاستمرارية.

3- التوليف بين الفكر الماركسي التقليدي النابع من الثقافة الأوروبية الألمانية والفكر الماركسي الصيني النابع من تراث وحضارة الصين.

4- إن ماوتسي تونج اعتمد في كثير من كتاباته وتطبيقاته على الفكر والتراث الصيني من النظرية الاستراتيجية العسكرية في فكر أبرز مفكر عسكري صيني وهو صن تزو Sunzu في كتابه «فن الحرب» Art of War، والذي استطاع إقناع قادة بعض الإقاليم الصينية بتبنيه، ومن خلال ذلك ساعد في توحيد الصين، وبروز المبدأ السياسي الأهم في الصين، وهو مبدأ الوحدة الصينية وعدم تجزئتها أو انفصال أي منها، وهذا يفسر موقف الصين الحديثة من انفصال أو استقلال أي جزء منها والإصرار على محاربته ويفسر موقف الصين من التبت وسينكيانج وتايوان ومنغوليا أي الحرص على استعادة الحضارية القديمة، كما يفسر علاقات الصين بكوريا الشمالية وبفيتنام والخلاف والاتفاق بينهما، وهو ما يدور في العصر الحديث نتيجة تدخلات النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

5- اعتماد ماوتسي تونج على التراث الصيني لم يعبر عنه صراحة في عهد ماوتسي تونج وإن تم الأخذ به عملياً في مؤلف ماوتس «الكتابات العسكرية» التي أخذت بحرب العصابات ودور الفلاحين ونجحت في الوصول للسلطة وتوحيد البلاد، والدور العسكري في النظام الصيني يجعله مختلفاً عن دور العسكريين في الفكر الاستراتيجي الغربي.

وللحديث بقية.