مملكة البحرين على مر العصور مرت بمراحل وصراعات من القوى الأجنبية، حتى أن شعب البحرين أصر على استقلال بلاده، ففي عهد المغفور له سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة قد أجمع شعب البحرين على تمسكه بانتمائه العربي وبيعته له والتي أكدته نتائج استطلاع لجنة تقصي الحقائق بالأمم المتحدة، فكان عام 1973 إصدار دستور البحرين والذي يعتبر نموذجاً للمبادئ الدستورية والديمقراطية وعلى اثره تم تأسيس مجلس وطني مكون من ثلاثين عضواً «اثنان وعشرون عضواً منتخباً، وثمانية أعضاء معينين من قبل الأمير».

ومع تطورات الأحداث الإقليمية والدولية وبعد وفاة المغفور له سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، طيب الله ثراه، وتقلد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، مقاليد الحكم، شهدت مملكة البحرين إجراءات تصحيحية على مستوى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، فقد عمل جلالة الملك المفدى حينها على مواصلة العمل على الإرث السياسي القيم لمملكة البحرين، ليؤسس مرحلة جديدة في بناء الدولة.

فقد أصدر جلالة الملك المفدى حينها قرار بتشكيل اللجنة الوطنية لإعداد ميثاق العمل الوطني، وفي 22 نوفمبر 2000، تم تعيين 46 عضواً في اللجنة الوطنية العليا لإعداد ميثاق العمل الوطني، لصياغة هذا المشروع الوطني وعرضه على الاستفتاء، وقد تسلم جلالته مشروع الميثاق في ديسمبر 2000، وطرحه على الاستفتاء في 14 فبراير 2001، وقد وافق عليه 98.4% من المواطنين.

بالفعل هي قصة فارس وطن، فقد طرح جلالته مشروعه الوطني والذي وصفه الباحث وأستاذ التاريخ مفيد الزيدي في كتابه مؤشرات التحول الديمقراطي في البحرين من الإمارة إلى المملكة الدستورية بأنه هو»ميثاق الوطن، ووثيقة للعهد، وركيزة لعقد اجتماعي جديد».

ومع مرور الوقت، شهدت الساحة السياسية في مملكة البحرين، عودة الحياة الديمقراطية بشكلها المعاصر، وتم تشكيل الجمعيات السياسية بمختلف انتماءاتها، كونها تمثل شرائح وتوجهات المواطنين، وجمع كل ذلك تحت قبة البرلمان، وقد أجمعت المنظمات الدولية على أن البحرين نموذج حي في الديمقراطية الحديثة، فقد كان حضور المرأة البحرينية لافتاً، وقد أعطى ميثاق العمل الوطني حقوق المرأة كاملة في حقها بالانتخاب والتصويت والتوظيف وحتى أصبحت المرأة تحتل مناصب قيادية مهمة كوزيرة وسفيرة ورياضية.

فميثاق العمل الوطني الذي أسسه حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى جاء ليترجم المعاني السامية التي تحظى بها مملكة البحرين، فقد أتاح الميثاق حرية التعبير، وفي عهد جلالته فقد تأسست جمعية الصحفيين البحرينية، وقد أتاحت المادة «23» من دستور 2001 ذلك بنصها «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب، وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية».

كما إن ميثاق العمل الوطني لم يغفل عن انتماء مملكة البحرين العربي والإسلامي، والذي أكد بنصه التأكيد على الحقوق الفلسطينية المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وفي الوقت ذاته فان الميثاق أكد بنصه أن البحرين سوف تعمل بكل ما أوتيت من جهد على دعم مجلس التعاون ومساندة القضايا العادلة للدول الأشقاء الأعضاء فيه، فأمن ورفاه البحرين جزء لا يتجزأ من أمن ورفاه دول الخليج العربية الشقيقة الأخرى.

ولا تكفي تلك السطور كي أطرح ما كان للميثاق العمل الوطني من دور مهم في تعزيز ونمو الاقتصاد في مملكة البحرين حتى أصبحت مركزاً لاستقطاب كبرى الشركات الاستثمارية. الخلاصة، قصة فارس الوطن، حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى، لا تنتهي، فميثاق العمل الوطني الذي أسسه، جعل للبحرين بصمة في تاريخ تأسيس الدول، ونموذجاً للإصلاح السياسي، فشعب البحرين كان ولا يزال يبايع جلالته الذي لم يدخر جهداً لتكون مسيرة الإصلاح متتابعة بلا توقف، وفي أزمة 2011، حفظ الله بلادنا خلالها، بفضل الله، ثم بحنكة الفارس، عاهل البلاد المفدى، ليكمل تلك المسيرة التي بدأها في 2001، وقد تغلبت المملكة على المؤامرات التي حاكتها دول كبرى حينها، فميثاق العمل الوطني ليس مجرد وثيقة أو عقد اجتماعي، بل هو منهج نتعلم منه الحياة السياسية والديمقراطية التي تحافظ على نسيجنا الاجتماعي وأمننا واستقرارنا.