يومان يفصلاننا عن مناسبة عزيزة على قلوب أهل البحرين جميعاً، وهي الذكرى الـ18 لميثاق العمل الوطني، الذي يوافق 14 فبراير، ذلك المشروع الإصلاحي الذي قدمه، حضرة صاحب الجلالة، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، لمواطنيه طالباً رأيهم ومشورتهم فيه، فكان الإجماع الشعبي بالموافقة عليه مذهلاً، وسجلت تلك النسبة التاريخية الخالدة في تاريخ البحرين الحديث وهي 98.4% من الشعب الذين قالوا بعلو صوتهم «نعم للميثاق».

البحرين الآن تعيش على مكتسبات تحققت بفضل الله ثم بفضل ذلك المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى والذي أصبح اليوم مسيرة تنموية شاملة، ونهضة مباركة لوطننا العزيز في كل المجالات والقطاعات، فالميثاق الوطني الذي قدم دستور مملكة البحرين 2002، تمكن من تغيير البحرين تماماً، وجعل من بلادنا دولة عصرية، وديمقراطية، ومتطورة تتمتع بكل معالم النهضة والحضارة والتقدم والرقي، ورسخ الميثاق لقيم ثابتة في هويتنا البحرينية مثل القيم الوطنية، التعايش السلمي بين الجميع، والحوار المتحضر، واحترام الحقوق بأنواعها، تلك القيم والمبادئ السامية التي كان أبناء جيلي من المحظوظين الذين شهدوا انطلاق هذا المشروع الإصلاحي منذ بدايته، بل وشاركوا في التصويت لصالحه، فأدركنا جيداً كيف تغيرت البحرين للأفضل، وكيف كانت قبل ميثاق العمل الوطني، وكيف أصبحت بعده.

وهذا الحديث ينقلني إلى الجيل الحالي، والأجيال المقبلة، أي التي لم تعش لحظات ولادة هذا الميثاق الوطني، ولم تشعر بتغير البحرين بعده، إما لصغر سنها في 2001، أو لأنهم لم يولدوا بعد في ذلك العام، وربما يحتاج البعض منهم إلى الاجتهاد الشخصي كالقراءة والاطلاع وسؤال من هم أكبر منها في السن ليعلموا عن الميثاق وما قدمه للبحرين، وربما درسوا في مقرر التربية للمواطنة لمحة عن الميثاق، ولكن تلك اللمحة أو الومضات لن ترتقي بفكرهم إلى إدراك أهمية ميثاق العمل الوطني لبلادنا.

أدرك جيداً وأنوه كثيراً بالجهود التي تبذلها مشكورة، كل من وزارة التربية والتعليم وإدارة التعليم العالي بشأن ترسيخ القيم والمكتسبات الوطنية لدى الطلبة عبر مقررات دراسية للتعريف بالميثاق وأسبابه ونتائجه وكيف أحدث التغيير للبلاد من بعد التصويت لصالحه. وربما منهج التربية للمواطنة الذي استحدثته الوزارة لجميع المراحل الدراسية في عام 2005، يتطرق للميثاق، ولكن أرجو من الوزارة وإدارة التعليم العالي زيادة الجرعة لمثل هذه المواد، واعتبار أن ميثاق العمل الوطني مادة دراسية ومقرر أساسي لكافة طلبة المدارس والجامعات، لا يقل أهمية عن بقية المواد الأساسية الأخرى، وليس درساً ضمن دروس مادة المواطنة، ونفس الأمر ينطبق على طلبة الجامعة، حيث إن «حشر» الميثاق ضمن مادة أو مقرر تاريخ البحرين الحديث لن يجعل من الطالب الجامعي على وعي كافٍ بميثاق العمل الوطني، بل يجعل معلوماته سطحية جداً، لا تصل لمستوى أهمية الميثاق للبحرين، ولا تصل لأهمية الميثاق للمواطن البحريني، لذلك لا بد من التعمق أكثر في تقديم الميثاق كمادة علمية ومنهج دراسي هام جداً، ولا بأس من التدرج في التعليم بشأن الميثاق بحسب المراحل الدراسية، بحيث يتخرج المواطن من الجامعة وهو على علم تام وتام جداً بميثاق العمل الوطني، بكل تفاصيله.

إن ميثاق العمل الوطني هو الوجه الجديد والمتجدد للبحرين، وهو التطور والحداثة والمدنية، وهو الذي جعل من المواطن صاحب قرار عبر صوته، فلهذا الصوت أهميته في صنع القرار، وله كل الحق في الاختيار، والترشح والترشيح، بل وحتى المشاركة وعدم المشاركة، وقول نعم أو لا لأي قرار دون أي تدخل أو إلزامية أو ضغط.

كل تلك النقلة النوعية لبحرين جديدة جاءت بفضل الله ثم بفضل قائدنا جلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه، الذي استفتى شعبه الكريم في مشروع الميثاق، وطلب رأيهم فيه، فأفتاه الشعب بالموافقة، والتف الجميع حول جلالته مؤيداً، ومسانداً، وداعماً كما هي عادة هذا الشعب الأبي في القرارات المصيرية للبلاد، فشهد الجميع ولادة مشروع ميثاق العمل الوطني هو الأصل والأساس فيما تعيشه البحرين اليوم من تطور وازدهار ونماء.