تونس - منال المبروك

أثار تحقيق تلفزيوني أجرته قناة "الحوار التونسي" الخاصة جدلا كبيرا في تونس حول مدارس قرآنية تتستر خلف تحفيظ القرآن الكريم، لنشر أفكار متطرفة في صفوف الطلاب، فيما أعاد التحقيق للتونسيين شبح الخوف من انتشار الفكر المتطرف الذي سعت حركة "النهضة" إلى نشره في تونس زمن حكمها.

والخميس الماضي، بثت القناة تحقيقا تلفزيونيا حول مدرسة لتعليم القرآن بمنطقة الرقاب في محافظة سيدي بوزيد بالوسط الغربي التونسي كشف عن ظروف غير طبيعيّة يقيم فيها الأطفال والذين انقطعوا عن التعليم في المدارس الرسمية التونسية واكتفوا بالتعليم في المدرسة القرآنية في غياب أي شكل من أشكال الرقابة عن المناهج التعليمية التي يتلقاها الطلاب بهذه المدرسة التي قيل ان جمعية خيرية تشرف على تمويلها، كما تطرّق التحقيق إلى الاستغلال الذي يتعرض له الأطفال من قبل المشرفين على المدرسة.



وبعد عرض البرنامج، تحرّكت النيابة العامة في محافظة سيدي بوزيد يوم 2 فبراير، وقامت بغلق المدرسة وإيواء الأطفال بمركز خاص بالعاصمة التونسية، ليخضعوا إلى العلاج الطبي والنفسي، كما قامت بسجن المشرفين على المدرسة، بعد ثبوت تورط مدير المدرسة في استغلال الأطفال والزواج على غير الصيغ القانونية.

والأحد، قالت وزارة الداخلية في بلاغ لها ان "الإدارة الفرعية للوقاية الاجتماعية بإدارة الشرطة العدلية بالتحرّي حول نشاط مشبوه لجمعية قرآنية كائنة بالرقاب سيدي بوزيد تأوي مجموعة من الأطفال والشبان في ظروف غير ملائمة ويتعرّضون لسوء المعاملة وللاستغلال الاقتصادي، وذلك بالتنسيق مع الهيئة الوطنية لمكافحة الإتجار بالأشخاص ومندوب حماية الطفولة بسيدي بوزيد".

وبمراجعة النيابة العمومية بسيدي بوزيد، أذنت بفتح بحث في الموضوع وإجراء المعاينات والتساخير اللازمة.

وأكدت الوزارة في بلاغها الوحدات الأمنية المختصة تنقلا رفقة المندوب العام لحماية الطفولة و5 أخصائيين نفسيين على عين المكان، حيث تم العثور على 42 طفلا "بين 10 و18 سنة" و27 راشدا "بين 18 و35 سنة"، تبيّن أنهم يُقيمون اختلاطا بنفس المبيت في ظروف لا تستجيب لأدنى شروط الصحة والنظافة والسلامة وجميعهم منقطعون عن الدراسة، كما أنهم يتعرّضون للعنف وسوء المعاملة ويتم استغلالهم في مجال العمل الفلاحي وأشغال البناء ويتم تلقينهم أفكارا وممارسات متشددة.

وبإذن من النيابة العمومية بسيدي بوزيد، تم الاحتفاظ بصاحب المدرسة من أجل "الاتجار بالأشخاص بالاستغلال الاقتصادي لأطفال والاعتداء بالعنف" ومن أجل "الاشتباه في الانتماء إلى تنظيم إرهابي" كما تم الاحتفاظ بامرأة عمرها 26 سنة اعترفت بزواجها من المعني على خلاف الصيغ القانونية.

كما أذنت بإيواء الأطفال بأحد المراكز المندمجة للشباب والطفولة وتمكينهم من الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية اللازمة وقد أكّد طبيب الصحة العمومية إصابة البعض منهم بعدة أمراض كضيق التنفس والجرب والقمل.

وأعاد تحقيق "مدرسة الرقاب" إلى أذهان التونسيين المخاوف التي سادت المجتمع التونسي إبان حكم النهضة من المد الفكر الديني المتشدد الذي عملت حركة النهضة على زرعه في مؤسسات التعليم عبر محاولة المناهج التعليمية الرسمية أو المدارس القرآنية التي انتشرت بشكل كبير في تلك الفترة.

وبارك نشطاء سياسيون ومثقفون كشف التحقيق التلفزيوني لما اعتبرونه بؤرا لتفريخ الارهاب، مطالبين القضاء بحماية الأطفال من هذا الصنف من المدارس والكشف عن الأطراف التي تموّل هذه المدرسة وتدعمها.

وقال الحقوقي سمير عبد الله لـ"الوطن" إنه "وقع تكليفه من طرف جمعيات تنشط في مجال حماية حقوق الطفل، للتدخل في قضية أطفال مدرسة الرقاب، التي تعهد بها القضاء".

وأضاف عبدالله أنه "بإمكان القضاء التونسي الاتهام للأولياء"، متابعا أن "القانون يعاقب على عدم حماية الابن منتقدا تقصير الحكومة والسلطات المحلية في مراقبة هذا الصنف من المدارس التي تنشر الفكر المتطرف تعمل على غسل أدمغة الأطفال لاستغلالهم لاحقا في أعمال ارهابية"، وفق قوله.

بدورها، دعت وزيرة المرأة السابقة سميرة مرعي فريعة البرلمان التونسي "للمصادقة على قانون رياض الأطفال"، معتبرة أن "القانون المودع لدى مجلس نواب الشعب يمنع وجود المدارس القرأنية التي لا تخضع مناهجها التعليمية للمراقبة ويجيز فقط عمل الكتاتيت القرآنية".

وكتب الإعلامي زياد الهاني "ونحن في انتظار ما ستقوله السلط الأمنية والقضائية حول هذا الملف، وقد أصبحت المخولة وحدها لاستجلاء الحقيقة فيه".

كما عبر الإعلامي هشام الحاجي عن تضامنه مع فريق عمل برنامج "الحقائق الأربع"، الذي قام بالتحقيق الصحفي، فكتب "أود أن أعبر عن تضامني مع أسرة تحرير برنامج "الحقائق الأربع" وأن أشير إلى أهمية العمل الذي قام به محمد الشريف حواص الذي تولى إنجاز التحقيق حول مدرسة الرقاب".

يُذكر أن "الحقائق الأربع" هو برنامج صحافة استقصائية وكثيراً ما كشف حقائق صادمة للتونسيين، فيعتبر من أنجح البرامج التلفزيونية في تونس.