الميثاق لم يكن وثيقة سياسية نظمت العلاقة بين الحاكم والمحكوم فقط، بل كان أشبه ما يكون بخارطة طريق وبرنامج عمل انعكس بصورة جلية على مجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعيه والسياسيه فكان منعطفاً كبيراً في تاريخ البحرين السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي إضافة إلى أن الميثاق هيأ للبحرين الدخول في مصاف الدول الديمقراطية العريقة والتحول الذي قاده حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، كان له تأثير كبير فيما يرتبط بالتحولات العديدة التي أعقبت الميثاق والتي انعكست على مجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية واقتصادياً. الميثاق خصص فصلاً كاملاً للشأن الاقتصادي وهو الفصل الثالث، لذلك من الطبيعي جداً أن يتأثر الاقتصاد الوطني إيجابياً بما تحقق من أهداف حرص ميثاق العمل الوطني على تحقيقها فمن يقرأ الميثاق جيداً يعرف أن طموحات الميثاق لا حد ولا نهاية لها فكل طموح يتم تحقيقه يقود إلى طموح أفضل وأكبر وهذا بالتحديد ما يدفعنا إلى اعتبار الميثاق وثيقة حية وحيوية وعلى الرغم من الإنجازات الطويلة والكبيرة إلا أن الطموحات مازالت كبيرة في تحقيق ما أكده جلالة الملك المفدى من خلال الميثاق، لذا جاءت مبادرات واسعة وعميقه أبرزها الرؤية 2030 التي أقرها جلالة الملك واوكل تنفيذها لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد، نائب القائد الأعلى، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، والتي تعتبر الدستور الاقتصادي لمملكة البحرين.

إن الميثاق شبك العلاقة بين الديمقراطية السياسية والتطور الاقتصادي فلم تعد السياسه والاقتصاد شيئين منفصلين كما يراها الكثيرون بل أصبح من الصعب الفصل بين السياسه والاقتصاد.

وقد أوجد الميثاق علاقه وثيقة بينهما فالميثاق فتح صفحة اقتصادية واستثمارية للبحرين باعتباره منطلقاً لتطورات سياسية واقتصادية وإدارية واجتماعية عدة، حيث ترافقت معه عدة مؤسسات دستورية وتنفيذية مثلت أدوات حقيقية للإصلاح فالاقتصاد البحريني تعافى من جميع الآثار السابقة بدءاً بالأزمة الاقتصادية العالمية التي عصفت بالقطاع المالي والأحداث التي شهدتها البحرين مطلع 2011 على الرغم من أنّ معدّل النّمو الاقتصادي في المملكة شهد تراجعاً إلا أنه إجمالاً لم يتعرّض الاقتصاد البحريني لأية انهيارات كارثيّة. وأصبح اقتصاد البحرين النجم الجديد الذي يزهو في سماء الخليج، فالمؤشرات الاقتصادية الصادرة من الجهات الرسمية الدولية تؤكد أن البحرين ما زالت من أهم المناطق الجاذبة للاستثمارات الأجنبية لما تتمتع به من موقع جغرافي متميز وأنها بوابة الدخول إلى أسواق الخليج حيث يؤكد توافد الشركات الأجنبية لفتح مشاريعها في مملكة البحرين على ما تتمتع به المملكة من ميزة تنافسية كبيرة كما أنه يثبت بأن المملكة لا تزال الوجهة المثالية للأعمال والاستثمارات في المنطقة.

إن الميثاق لم يوجد حالة انفتاحية في الشأن الاقتصادي فحسب بل أوجد حالة شفافية كبيرة ورقابة إدارية ومالية واضحة حيث تجلى أثر مجلس المناقصات وديوان الرقابة المالية والإدارية وإطلاق العديد من المؤسسات الأهلية في كافة القطاعات إلى أن تلك التطورات خلقت حالة الانفتاح والشفافية التي بات يتمتع بها العمل الحكومي البحريني مما أوجد مناخاً جذب العديد من المستثمرين والاستثمارات وخلق وظائف عدة للبحرينيين في هذه المشاريع ذات القيمة المضافة العالية للبحرينيين والاقتصاد الوطني فالميثاق أكد على الانفتاح الاقتصادي في خط موازٍ مع تطوير الإدارة العامة إذ لا يمكن للاقتصاد أن يكون منفتحاً ما لم تكن هناك إدارة عامة متطورة تواكب التطورات المجتمعية بصفة عامة حيث إن تطوير التشريعات وترسيخ الشفافية والمحاسبية والنزاهة وتكافؤ الفرص كلها أمور تصاحب تطور الإدارة العامة والمملكة قطعت شوطاً لا بأس به في هذا الاتجاه، وما تقرير الرقابة المالية الذي صدر مؤخراً إلا دليل على هذا التقدم حيث ساعد في حفظ المال العام واستغلاله بالشكل الأمثل.

إن هذا بالضبط ما سعى إليه جلالة الملك المفدى عندما أصدر مرسوماً بإنشاء ديوان الرقابة المالية والإدارية الذي يتبع جلالته فالديوان هدفه الأساس الحفاظ على المال العام والحال كذلك بالنسبة إلى مجلس المناقصات حيث تمكن المجلس من الحفاظ على المال العام وأسهم في خلق مناخ استثماري كبير وهذا ما كان جلالة الملك المفدى يتطلع إليه.

وحول أثر الميثاق في تطوير التعليم حرص عاهل البلاد على بث الحيوية في مفاصل التعليم ليواكب التغيرات والتطورات التي تحدث في العالم، فوجه وزارة التربية والتعليم إلى العمل على تأسيس مدارس المستقبل، عبر إدخال التكنولوجيا متمثلة في الحواسيب الإلكترونية ومتعلقاتها إلى المدارس، كما تم تطوير واستحداث العديد من المناهج وبخاصة مقرر المواطنة. كذلك شهدت البحرين طفرة في مجال الجامعات، حيث افتتحت العديد من الجامعات الخاصة بها إلى جانب الجامعة الأم جامعة البحرين.

من جهة أخرى ساهم الميثاق في إثراء المشهد الإعلامي مع اتساع الحريات التي منحها الميثاق والدستور للإعلاميين والمواطنين بشكل عام، وتمثل هذا الإثراء بصدور العديد من الصحف كالوطن والبلاد والنبأ وأسواق والتجارية إلى جانب صحيفتي أخبار الخليج والأيام بالإضافة إلى إصدار العديد من الصحف الإلكترونية.

وفيما يتعلق بحفظ الموارد واستغلالها فالبحرين قطعت شوطاً كبيراً فاق كل التوقعات، فالتقرير الذي صدر مؤخراً حمل علامات ومؤشرات عديدة وهامة. والمؤشر الأول والهام هو أنه مثل الجدية وأثبت عملياً بأن الحرص على الأموال العامة هو بالفعل هدف والمؤشر الثاني والمهم أيضاً هو أنه سمى الأشياء والمقصرين بأسمائهم من غير خوف ومن غير محاباة وهذا بحد ذاته يمثل قفزة كبيرة وهامة في هذا السياق فحفظ المال العام والمحافظة على الموارد الوطنية وحمايتها أمور لا غنى للتنمية الاقتصادية عنها.

ومن أبرز الإنجازات في عهد الميثاق أيضاً انخفاض نسبة البطالة وهذا دليل على سلامة ونجاعة القوانين والإجراءات التي تم اتخاذها حتى الآن وخاصة فيما يتعلق بتطوير التدريب وتأهيل قوى عاملة تلبي حاجات السوق وما صندوق العمل «تمكين» إلا نتاج لتنمية وتطوير التعليم والتدريب حيث بدأت تعي المؤسسات وبدأت تسير على خط موازٍ لحاجات السوق مما يبشر بالخير فمن الإجحاف حصر تعريف ميثاق العمل الوطني على أنه فقط وثيقة تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم بل أن الميثاق دليل عمل للوطن يحدد معالم الطريق ويستكمل مؤسسات الدولة ونظمها. فالميثاق مشروع واضح المعالم قوي الأسس يلبي طموحات شرعية كبيرة وتطلعات المواطن البحريني ومن شأنه أن يجعل البحرين والبحريني في مصاف الدول الديمقراطية المتقدمه. وإن من يقرأ الميثاق جيداً يعرف أن طموحات الميثاق لا حد ولا نهاية لها فكل طموح يتم تحقيقه يقود إلى طموح أفضل وأكبر وهكذا وهذا بالتحديد ما يدفعنا إلى اعتبار الميثاق وثيقة حية وحيوية أطلقها جلالة الملك المفدى لتكون نبراساً يضيء الطريق لمستقبل البحرين وأجياله القادمة.

* محلل في الشؤون الاقتصادية والعلوم السياسية