في يوم ميثاق العمل الوطني، في يوم الحب، ومباشرة بعد الفعالية الوطنية الخاصة بهذا اليوم الأثير «ميثاق من ذهب» بتشريف جلالة الملك حمد حفظه الله الحفل بحضوره، أقامت هيئة الثقافة والآثار أمسية موسيقية رائعة تزامنت مع احتفالات المملكة بذكرى الميثاق.

ألحان وموسيقي رائعة من إبداع الفنان البحريني والمايسترو الكبير وحيد الخان، استمتع فيها الحضور بمصاحبة الأوركسترا المصرية المبدعة، وما زاد في جماليتها هي شروحات المايسترو الخان للمقاطع، وتسمياتها والمنطلقات التي جعلته يبتكرها، بالأخص مقطوعة «الوفاء» التي كان مبعثها المشهد الرائع في قرية سترة، بعد تولي جلالة الملك مقاليد الحكم، وكيف كان لقاء القائد بشعبه.

بعد الحفل، وفي حديث مع أحد الزملاء الكتاب، كان النقاش بشأن مفهوم «القوة الناعمة» وكيف أن التوجه العالمي اليوم لكثير من الدول هو انتهاج هذا الأسلوب في نشر الصورة الجميلة، وفي إيصال صوتها وثقافتها وفنونها وكافة المجالات التي تتضمن إنجازاتها للعالم الخارجي بعيداً عن السياسة.

المثال على ذلك كان الحفل العالمي الذي أقامه المايسترو وحيد الخان في هنغاريا، يومها كان التعريف به بأنه «فنان بحريني»، وحاضرو الحفل عرفوا من خلاله اسم البحرين وأين تقع، لأن التساؤل دائماً عن الفنان ومن أين جاء وما هي دولته وما هي خلفيته؟

مساعد وزير الدفاع الأمريكي في حكومة الرئيس بيل كلينتون، رئيس مجلس المخابرات «جوزيف ناي» ألف كتاباً باسم «القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية»، وهذا الكتاب كان ضمن الكتب التي درستها خلال مرحلة الماجستير في لندن، وفيه يُعرف ناي القوة الناعمة على أنها: «سلاح مؤثر، يحقق الأهداف عن طريق الجاذبية والإقناع بدل الإرغام أو دفع الأموال»، ويفصل ناي الطرائق حين يقول: «موارد القوة الناعمة لأي بلد هي ثقافته إذا كانت تتمتع بالقدر الأدنى من الجاذبية وقيمها السياسية، عندما يطبقها بإخلاص داخلياً أو خارجياً».

جوزيف ناي كان يتحدث عن مرحلة «الحرب الباردة» التي حولت فيها الولايات المتحدة نزعتها للسيطرة من القوة العسكرية إلى القوة الناعمة في كثير من الجوانب، وبين بأن التأثير في المجتمعات الخارجية عن طريق الثقافة والفن والرياضة وغيرها من الممارسات الإنسانية هي أفضل وسيلة لخلق صورة نمطية إيجابية عن أي دولة أو جهة، طالما أنها تأتي بإخلاص، وتحكي بصدق. هكذا فسرتها قبل 6 سنوات حين قرأت كتابه.

اليوم تمارس البحرين هذا الأسلوب وبـ«إخلاص»، عبر انتهاج الشفافية والبساطة وإيصال «الروح البحرينية الأصيلة» للخارج. وكثير مما فعلته البحرين في الخارج ساهم في تعزيز هذا الجانب، وترجم أسلوب القوة الناعمة عبر مخرجات جميلة عن بلادنا.

الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار تلعب دوراً بارزاً في هذا الجانب، الفعاليات العديدة التي تقام في جوانب الثقافة والفن والآثار في الخارج غيرت الكثير من وجهات النظر بشأن البحرين. مشاركة بلادنا في «إكسبو ميلان» وفوز المملكة بجائزة أفضل تصميم على جماليته وذكائه، مازالت الصحافة العالمية تشير لها، وكذلك الفعاليات التي أقيمت في بريطانيا وغيرها، كلها قوة ناعمة لها أثرها الإيجابي.

حتى استضافة مملكة البحرين لسباق «الفورمولا واحد»، تعتبر أحد جوانب القوة الناعمة التي تنطلق من الجانب الرياضي، وكم كان لهذا الحدث من مردود إيجابي على صناعة السمعة الطيبة لمملكة البحرين.

وضمن هذا السياق، هناك العديد من الأمور التي يمكن تحقيقها من خلال التنوع الكبير الذي تقدمه أدوات القوة الناعمة، والتي قد لا يمكن حتى للسياسة تحقيقها، فالفن والثقافة والرياضة والفعاليات الاجتماعية كلها أمور تخاطب الشعوب مباشرة، والصدق والأريحية فيها تولد تفاعلاً إيجابياً وانطباعات لا تغيب عن الذهن لفترات طويلة من الزمن.