إنه استثمار في الاستقرار أخيراً. فواتير الاستثمار في الفوضى دفعت من دم شعوب المنطقة مدة 8 سنوات كاملة، حتى اكتوت أوروبا بنارها.

يجتمع العرب والأوروبيون اليوم في سابقة تاريخية. على الطاولة ملفات بثقل الكتلتين. وفي الذاكرة دروس لم يجف حبرها. ليس آخرها أن الفوضى لا حدود لها، وأن آثارها ستخرج عن السيطرة يوماً، وأن الإرهاب لا يمكن تجميعه في منطقة، وأن التصورات المسبقة عن كل ذلك لا تنتج حلولاً بقدر ما تصنع من أزمات.

يحتاج الاتحاد الأوروبي اليوم التخلي عن دور المنظّر الذي يعطي دروساً للآخرين، فقد كانت أوروبا نفسها ضحية مشاريع الفوضى في منطقتنا. مكافحة الإرهاب ومنع انتشار الأسلحة والحد من التسلح والجريمة المنظمة العابرة للحدود، والهجرة، كلها تطلب تعاوناً جدياً بين الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي. تعاوناً خالياً من الأستذة والإملاء.

لطالما مدت دول عربية، في الخليج خصوصاً، يد التعاون إلى أوروبا، محكومة بالتاريخ والجغرافيا، فقدرنا كما هو قدر أوروبا، أن يتأثر كل منا بالآخر، غير أن دولاً في القارة العجوز لم تغادر سياستها حقبة أوائل القرن العشرين، فساهمت في إذكاء الأزمات تحت شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، حتى احترقت أصابعها وتعرضت لابتزاز قوى إقليمية في موضوعة المهاجرين والملف النووي.

واليوم هي فرصة تاريخية تفتح قمة شرم الشيخ نافذتها، مطلة على بحر من التعاون الاقتصادي والسياسي، لا بحر لقوارب الموت والهجرة. على علاقة صحية بين الشمال والجنوب، لا على أحلام وأوهام الهيمنة. على استثمار في الاستقرار والتنمية والتعليم والصحة والطاقة والاقتصاد لا على تجارة في إرهاب يسمى معارضة. اليوم هي فرصة حقيقية تنتجها 8 سنوات عجاف، وتاريخ طويل بين العرب والأوروبيين خلاصته أن تقارب الكتلتين سينتج ازدهاراً للعالم.

اليوم فيما تستعيد مصر القوية دورها المحوري، تبدو أطراف إقليمية منزعجة من أي تقارب جماعي عربي أوروبي، فذلك ينزع من أنيابها سم الابتزاز، ويضع مشاريعها للهيمنة والتفتيت في مهب الريح. يزبد إعلامها في قضايا هامشية محاولاً لفت الأنظار، ويرعد في قضايا قومية من باب المزاودة والاتجار، وقد أوجعه أن في العرب اليوم حكماء لهم مشاريعهم التي تستثمر، بخلاف استثماره، في استقرار المنطقة.