شاركت مملكة البحرين على مدار أسبوعين في المؤتمر الثاني عشر للدول الأطراف في اتفاقية التنوع الحيوي CBD COP 12 التي استضافتها مدينة بيونغ تشانغ في كوريا الجنوبية من 6 الى 17 أكتوبر الجاري، بمشاركة 193 دولة الى جانب الاتحاد الأوروبي، حيث شهدت أعمال المؤتمر مباحثات ونقاشات بين الوفود حول المحاور البيئية ذات البعد الدولي. مثل المملكة وفد من إدارة التنوع الحيوي بالمجلس الأعلى للبيئة و قطاع الزراعة والثروة البحرية بوزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني، برئاسة السيد عبدالقادر سعيد خميس، القائم بأعمال إدارة التنوع الحيوي والسيدة ابتسام عبدالله خلف، مديرة إدارة الثروة السمكية، والسيد عصام مصطفى عبدالرزاق، القائم بأعمال مدير إدارة الثروة النباتية، والسيدة نوف علي الوسمي، أخصائي بيئة.
حرص وفد مملكة البحرين على تنسيق المواقف مع الأشقاء من دول مجلس التعاون والدول العربية حول المحاور الرئيسة لقضايا التنوع الحيوي ذات الاهتمام المشترك، الى جانب الاتفاق مع الدول والتكتلات الحليفة مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، وإقليم غرب آسيا والمحيط الهادي، ومجموعة 77 والصين. كما تضمنت مداخلة المملكة استعراضا للجهود والإنجازات الوطنية التي حققتها في سبيل المحافظة على التنوع الحيوي في البيئات المحلية، بما يؤهلها لنشر إنجازاتها ضمن الطبعة الرابعة لنشرة التوقعات العالمية للتنوع البيولوجي التي تم تدشينها خلال المؤتمر، وهو ما يسلط الضوء على التقدم الذي أحرزته المملكة نحو بلوغ "غايات آيتشي للتنوع البيولوجي"، ويضع تحليلات لكيفية مساهمة تنفيذ الاتفاقية وخطتها الاستراتيجية في تحقيق أهداف عام 2015 من الأهداف الإنمائية للألفية، كما جرى تقييم الاجراءات المقترحة لتعزيز تنفيذ الخطة الاستراتيجية 2011-2020 بناءً على تقييم الخبراء الفنيين المعنيين بمؤشرات قياس التقدم المحرز في تنفيذ هذه الخطة.
بدوره أبرز وفد المملكة الجهود المبذولة للشروع في تنفيذ "مشروع تحديث الاستراتيجية وخطة العمل الوطنية" و "إعداد التقرير الوطني الخامس لمملكة البحرين المتعلق باتفاقية التنوع الحيوي"، وذلك بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، وبتمويل من المرفق العالمي للبيئة (GEF). كما شهد وفد المملكة دخول "بروتوكول ناجويا" حيز التنفيذ خلال المؤتمر، وهو البروتوكول الذي تسعى المملكة الى التصديق عليه للحصول على الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها، وجرت استشارة شركاء المنفعة المعنيين على الصعيد الوطني بشأنه.
الى ذلك سجلت مملكة البحرين دعمها لبروتوكول ناغويا التكميلي المختص بالمسؤولية والتعويض فيما يلحق بالتنوع البيولوجي من أضرار ناشئة عن تنقلات الكائنات الحية المحوّرة عبر الحدود، وذلك بتحديد حجم التأثيرات الضارة التي تلحق بحفظ التنوع البيولوجي واستخدامه المستدام على أساس بعض العوامل مثل التغييرات طويلة الأجل أو الدائمة، وحجم التغييرات الكمية والنوعية، وانخفاض قدرة مكونات التنوع البيولوجي على توفير السلع والخدمات، ومدى تأثيراتها الضارة على صحة البشر. كما دعت المملكة إلى إجراء مزيد من البحوث والدراسات العلمية لتقديم معلومات إضافية عن المكونات والكائنات والمنتجات الناشئة عن تقنيات البيولوجيا التخليقية التي قد تؤثر على حفظ التنوع البيولوجي واستخدامه المستدام وما يرتبط بها من اعتبارات اجتماعية واقتصادية وثقافية.
هذا ودعت مملكة البحرين إلى إجراء مزيد من البحوث والدراسات العلمية لإستيضاح الجدوى البيئية والاقتصادية والاجتماعية للوقود الحيوي، وذلك للتغلب على حالة عدم اليقين العلمي ذات الصلة بالآثار المقصودة وغير المقصودة للوقود الحيوي على التنوع البيولوجي والأمن الغذائي.
الى جانب ذلك، شهد الوفد عملية اعتماد الميزانية لبرامج الفترة من 2015 الى 2016، آخذا بالاعتبار الأهمية الفائقة "للاستراتيجية وخطة العمل الوطنية للتنوع البيولوجي"، وهو المشروع الذي تدعو المملكة من خلاله إلى تعزيز الدعم المالي والفني والتقني والمعلوماتي للدول النامية، لتمكينها من إعداد هذه الوثيقة في ضوء غايات آيتشي للتنوع البيولوجي المضمنة في الخطة الاستراتيجية للتنوع البيولوجي 2011-2020.
في الشأن المحلي، استعرض وفد مملكة البحرين ما تم تنفيذه في البيئة المحلية خلال الفترة من 2011 الى 2014، وشمل عدة مشاريع لإعادة تأهيل المواقع المتضررة، وهي من المبادرات التي توليها الاتفاقية المتعلقة بالتنوع الحيوي أهمية خاصة. فعلى سبيل المثال، نفذ مشروع إستزراع شتلات نبات القرم وزراعتها بهدف إعادة تأهيل المناطق الساحلية المتدهورة وزيادة الرقعة الخضراء في المناطق الساحلية. ونجح المشروع خلال موسم البذور في عام 2013 في استزراع أكثر من 1500 شتلة من اشجار القرم في كل من خليج توبلي ودوحة عراد.
من جانب آخر، نفذت مملكة البحرين مشروعاً يهدف إلى زيادة المخزون السمكي في مملكة البحرين من خلال انزال الأرياف الصناعية التي يؤمل أن تساهم في إسترداد المستوى الآمن للأرصدة السمكية في المملكة. وتم تدشين المشروع في عام 2012 ، حيث أجريت مسوحات مكثفة لتحديد المواقع المناسبة لتشييد الشعاب الصناعية قبل أن يتم إنزال ما يقارب 2500 من البيوت الإسمنتية(Reef Balls) في ستة مواقع رئيسية. وتم في مرحلة لاحقة إطلاق إصبعيات من الاسماك التجارية المستزرعة في مواقع الشعاب الصناعية، وذلك بهدف إنعاش المخزون السمكي بتلك المواقع.
واستعرض الوفد ما تزخر به مملكة البحرين من مظاهر عديدة من عناصر التنوع البيولوجي التي يتصف بعضها بأهمية إقليمية وعالمية بارزة. ويتعرض التنوع البيولوجي في مملكة البحرين بمستوياته المختلفة إلى ضغوطات بشرية تتفاقم حدتها مع تسارع النهضة التنموية المضطردة التي تشهدها المملكة. وإيماناً منها بأهمية النهج التشاركي في معالجة القضايا البيئية، فقد كانت مملكة البحرين من أوائل الدول في المنطقة التي استجابت للمبادرة الرائدة التي أطلقها برنامج الأمم المتحدة للبيئة الداعية إلى تطبيق نهج النظام الإيكولوجي على المستويين الوطني والإقليمي. فقد نفذت مملكة البحرين مشروع طموح يهدف إلى إدراج نهج النظام الإيكولوجي في سياساتها البيئية الوطنية، وتضمن المشروع إجراء دراسة حالة تتمحور حول تطبيق نهج النظام الإيكولوجي لتعزيز الحماية البيئية في نجوة بولثامة وهير بولثامة وهير شتية وهير بوعمامة التي تم تسجيلها في الآونة الأخيرة كمواقع للتراث العالمي، وهي تمثل حوالي 18% من المساحة الإجمالية للمياه الإقليمية للمملكة. حيث اعتمد المشروع على تعزيز مبدأ الشراكة المجتمعية وتحفيز الشباب على المشاركة الفاعلة في مواجهة التحديات البيئية، وبمشاركة قاعدة واسعة من الشركاء الوطنيين الممثلين للمؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات البحثية والمجتمع المدني. سيسعى هذا المشروع الإستراتيجي إلى إحياء الإرث الثقافي المترافق مع صناعة الغوص وتجارة اللؤلؤ التي اشتهرت بها مملكة البحرين منذ القدم وتمكين السكان المحليين للمشاركة بفاعلية في تنفيذ برامج الحماية، وهي جميعها محاور تسهم في تحقيق أهداف آيشي للتنوع البيولوجي، حيث أن الحفاظ على هذا التنوع يعد حفاظا على عصب حياة المجتمعات البشرية وموارد الأجيال القادمة. وترتئي مملكة البحرين بأنه من أفضل السبل المتاحة لدعم مشاريع إعادة تأهيل النظم الإيكولوجية هو إبراز القيمة الإقتصادية للخدمات التي تقدمها، وتقييم العائد الإقتصادي والاجتماعي المؤمل من برامج إعادة التأهيل. علاوة على ذلك، تشدد على أهمية العنصر البشري وتوجيه برامج إعادة التأهيل لدعم المجتمعات المحلية، والاستفادة من المعارف التقليدية في استحداث وسائل مبتكرة لمواجهة التحديات البيئية.
وبين الوفد في مداخلة له أنه على الرغم من محدودية المساحة الجغرافية لمملكة البحرين، إلا أنها أعلنت لغاية الآن 6 مناطق محمية، كما قامت بإدراج اعتبارات التنوع البيولوجي في الخطط والاستراتيجيات القطاعية وآليات صنع القرار وعمليات التخطيط الاستراتيجي الوطني المعنونة في الرؤية الوطنية الاقتصادية 2030، هذا علاوة على توجيه برامج الإكثار في الأسر لإعادة تأهيل الأنواع المهددة بالإنقراض والأنواع التجارية البرية والبحرية.
وإيمانا منها بأن التحديات البيئية لا تعترف بالحدود السياسية بين الدول، تسعى مملكة البحرين دائماً إلى تعزيز تعاونها الوثيق مع جميع الدول الصديقة وعلى وجه الخصوص دول مجلس التعاون الخليجي الشقيقة والمنظمات الإقليمية والدولية من أجل تدعيم الجهود المبذولة للحفاظ على التنوع البيولوجي على مختلف الأصعدة.
وأعرب الوفد عن قلقه من التحديات التي تواجه التنوع البيولوجي حول العالم، والتي تتفاقم حدتها يوما بعد يوم، مبينا أهمية ما تعول عليه الدول الأعضاء في الاتفاقية من مخرجات هذا المؤتمر الهام للمساهمة في الحد من التدهور المتسارع لعناصر التنوع البيولوجي وفقدان الخدمات الجليلة التي تقدمها النظم البيئية للمجتعات البشرية كافة.
هذا وحافظت وفود مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية على وحدة موقفها في عدد من القضايا الإقليمية المتعلقة بالتنوع الحيوي، الى جانب الدعم المتبادل بين الدول الثلاث الشقيقة، ومن أمثلة ذلك التشديد على أهمية التعاون بين شركاء المنفعة الى ما وراء الحدود السيادية للدول المتجاورة، نظرا لكون الأنواع الحيوانية والنباتية ومنافعها الأساسية عابرة للحدود، وهو ما يستدعي التعاون ضمن دول الإقليم المشترك لحماية التنوع وازدهاره فيما بينها، ومن أمثلة التعاون مقترح لإنشاء محمية لبقر البحر بين دول مجلس التعاون.
تجدر الإشارة الى أن مؤتمر الأطراف هو الهيئة الحاكمة للاتفاقية المتعلقة بالتنوع البيولوجي ويعمل على السير قدماً في تنفيذ الاتفاقية من خلال المقررات التي يتخذها في اجتماعاته الدورية. وقد عَقَد مؤتمر الأطراف حتى الآن عشرة اجتماعات عادية واجتماعاً استثنائياً واحداً (بهدف اعتماد بروتوكول السلامة الأحيائية)، ومنذ عام 1994 إلى عام 1996 عقدت اجتماعات الاطراف سنوياً، وبعد إجراء تعديل في النظام الداخلي في عام 2000م تُعقد الآن اجتماعات الاطراف كل سنتين. حيث يؤمل أن تساهم القرارات التي ستتمخض عنها هذه الاجتماعات إلى تحقيق أهداف الاتفاقية الثلاثة (حفظ التنوع البيولوجي، والاستخدام المستدام لمكونات التنوع البيولوجي، و التقاسم العادل والمنصف للمنافع التي تنشأ من استخدام الموارد الجينية).