تبدو قضية «دواعش أوروبا» الأزمة الأكبر هذه الأيام، مع ضغوط تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الدول الأوروبية من أجل استعادة أكثر من 800 من مقاتلي تنظيم الدولة «داعش»، الذين تم أسرهم في سوريا وإحالتهم للمحاكمة، لاسيما مع الحملة المنظمة التي أطلقت نهاية أكتوبر الماضي من أجل دحر التنظيم المتطرف في آخر معاقله في دير الزور، شرق سوريا، والتي أدت بطبيعة الحال إلى استسلام المئات من مقاتلي «داعش»، فيما هدد ترامب الدول الأوروبية صراحة بإمكانية إطلاق سراحهم، إذا لم تقم أوروبا باستعادة مقاتليها الأجانب الذي يحملون جنسياتها من سوريا. وفسر مراقبون ومحللون دعوة ترامب على أنها محاولة لتأكيد تعهده بالانسحاب من سوريا بعد هزيمة التنظيم المتطرف، وهو الأمر الذي أثار غضب الحلفاء الأوروبيين، لكنه فتح باب التساؤلات حول مصير الأكراد، وإمكانية التدخل التركي شمال شرق سوريا، فيما تحدث قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال جوزيف فوتيل، الذي أكد على سحب القوات البرية الأمريكية من سوريا، تنفيذاً لأمر الرئيس ترامب.

وقد أبدت الدول الأوروبية مخاوفها عقب تأكيدات ترامب على الانسحاب من سوريا، خوفاً من احتمال محاولة متطرفين من هذه الدول العودة إلى بلدانهم، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن المخاوف زادت من احتمال تنفيذ المتطرفين العائدين عمليات إرهابية داخل أوروبا، أو من ظهور «الذئاب المنفردة» في القارة العجوز، مجدداً. ومصطلح «الذئاب المنفردة»، يطلق على الشخص الذي يرتكب عمليات إرهابية دعماً لمجموعات متطرفة لكنه يفعل ذلك خارج عن هيكل قيادة التنظيمات ودون مساعدة لوجستية صريحة من تلك التنظيمات المتطرفة، لكنه في النهاية يقوم بذلك العمل دعما لأيديولوجية تلك الجماعات المتطرفة.

وقد جاء الرد الفرنسي الرافض لموقف ترامب سريعاً، على لسان وزيرة العدل الفرنسية، نيكول بيلوبيه، التي أكدت أن «بلادها لن تتخذ أي إجراء في الوقت الحالي، بناء على دعوة ترامب حلفاء أوروبيين إلى استعادة مئات من مقاتلي التنظيم المتطرف من سوريا»، مشيرة إلى أن «هناك وضعاً جيوسياسياً جديداً في ظل الانسحاب الأمريكي، ولن نغير سياستنا بالوقت الحالي، ولن تستجيب فرنسا في هذه المرحلة لمطالب ترامب». بيد أنه من المعلوم أن سياسة فرنسا تقضي بالرفض التام لاستعادة مقاتلي التنظيمات المتطرفة وعائلاتهم. بدورها، انضمت بريطانيا إلى الدول الأوروبية، الرافضة لدعوة ترامب بعودة المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم «داعش» إلى دولهم الأصلية، حيث أكدت حكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي على «ضرورة تقديم المقاتلين الأجانب إلى العدالة وفقاً للإجراء القانوني المناسب في النطاق القضائي الأكثر ملاءمة»، بينما في المقابل، رفضت الإدارة الكردية في الشرق السوري، محاكمة الأجانب، معلنة إرسالهم إلى بلدانهم. وبينما كان الموقف الألماني أقل تشدداً بشأن دعوة ترامب، كشفت الأرقام والمعلومات عن «وجود 150 مواطناً فرنسياً شمال شرق سوريا بينهم 50 مقاتلاً»، في حين تحدثت وزارة الداخلية الألمانية عن «وجود 270 سيدة وطفلاً من أسر مقاتلي التنظيم المتطرف، ممن يحملون الجنسية الألمانية في سوريا والعراق»، بينما ذكرت فيينا أن «عدد أفراد تنظيم «داعش» من حاملي الجنسية النمساوية يتراوح ما بين 30 و 60 شخصاً». لذلك لم تتردد وزارة الداخلية البريطانية في إسقاط الجنسية عن شاميما بيجوم البالغة من العمر 19 عاماً، والتي غادرت بريطانيا عندما كانت مراهقة في الخامسة عشرة من عمرها، وتوجهت إلى سوريا للانضمام لـ «داعش»، في محاولة استباقية من لندن، لقطع الطريق على عودتها مرة أخرى إلى بلادها، حيث شدد وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد على أنه «لن يتردد في منع عودة أي شخص أيد التنظيمات الإرهابية في الخارج إلى بريطانيا».

* وقفة:

تبدو قضية عودة مقاتلي «داعش» الأوروبيين إلى بلادهم مسألة شائكة لاسيما وأنهم «قنابل موقوتة» قابلة للانفجار تهدد أمن أوروبا خاصة مع احتمال ظهور «الذئاب المنفردة» في القارة العجوز!!