إن من أهم القطاعات التي يجب أن تُطوِّرها وتنتبه إليها الدولة وبقية المنظمات المهتمة بكل ما هو «أخضر»، هو قطاع الزراعة. فالزراعة تعتبر في غالبية دول العالم غير النفطي هي عصب الحياة وهي المُعتمَد الأساس للأمن الغذائي عندهم، وكذلك تعدّ المصدر الأول لدخل الدولة. ففي خضم التقلبات والتغيرات الجيوسياسية والمناخية ومعها التقلبات الاقتصادية العنيفة يكون لزاماً علينا كدول نفطية أن نبحث عن مصادر أخرى للدخل القومي غير النفط تتمثل بالزراعة.

إننا نعتقد أن الإستثمار في الزراعة وفي الأمن الغذائي أهم بكثير -على صعيد المستقبل- من الاعتماد الكلِّي على ريع النفط فقط، فمؤشرات تدهور أسعار النفط وتعثر كل محاولات ارتفاعه لسنوات ممتدة ستُدخل الدول النفطية في غموض حول مستقبلها الاقتصادي، ناهيك عن كون التدهورات السياسية والإقليمية وعدم استقرار المنطقة لأسباب لا حصر لها ستجعل الزراعة هي الخيار الأفضل لأجل تأمين مستقبل الشعوب والدول عبر توفير القوت المناسب لليوم المناسب.

في البحرين الجزيرة المشهورة أرضها بالزراعة عبر التاريخ وبصلاحيتها لهذا الغرض، سيكون الحديث عن مستقبل الزراعة من أهم الأحاديث التي يجب التركيز عليها في وقتنا الراهن، لكن واقع الحال يقول أن لا شيء في الأفق يغري الدولة لدخول هذا السباق المحموم مع الزمن كي تبقى البحرين تلكم الدولة الزراعية بين دول المنطقة.

غالبية الأرقام مخيبة للآمال حتى وإن كان طموحنا كبيراً بعض الشيء. فالإحصاءات الأخيرة أشارت مثلاً إلى «انخفاض أعداد المزارعين البحرينيين من 15 ألف مزارع في العام 2002 إلى 650 مزارعًا فقط، مسجلين بصورة رسمية في عام 2016. بينما يبلغ حجم الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة في البحرين 5067 هكتارًا، مقابل الأراضي المزروعة فعليًا تبلغ 3209 هكتارات فقط حتى عام 2016. ويبلغ عدد القوى العاملة في الزراعة البحرينية 9120 عاملاً، بحسب إحصاء للعام 2016 وتمثل القوى العاملة الأجنبية حوالي 80 في المئة من هذه النسبة، فيما يعمل 650 بحرينيًا بالزراعة، وان أغلب العمالة الأجنبية في مجال الزراعة، وخصوصًا السائبة منها، غير مدربة ومؤهلة للعمل وهو ما يشكل تحديًا إضافيًا. كذلك تنتج البحرين نسبة 4% من الفاكهــــة من احتياجات سكانها، ونسبة 20% من احتياجاتـــها مـــن الخضروات. أمَّا إنتاجية البحرين في القطاع الزراعي، فقد ساهم هذا القطاع في الناتج المحلي البحريني بنسبة 2% حتى عام 2014».

يجب تحسين هذه الأرقام الصغيرة الباردة ورفعها لدرجات معتمدة ومطمئنة، وهذا لا يكون إلا من خلال تشجيع قطاعات الزراعة بشكل كبير للغاية ودعم المزارعين وكل المشتغلين بالزراعة، كما يجب رسم استراتيجية عميقة للنهوض بهذا القطاع المُهمَل لبناء مستقبل يضمن لنا في أسوأ الأحوال أمننا الغذائي عبر تحصين أممنا الزراعي.