المسافة تصون الحب، ولو ألغيناها، جازفنا بإلغاء الحب، وقبل ثورة الاتصالات كانت الجزائر البعيدة ثورية رومانسية يزورها غيفارا، ويخطف إليها كارلوس وليلى خالد الطائرات، ومنها زارتنا المجاهدة جميلة بوحيرد. لكن صيغة PDF قلبت مواجعنا مع تقليب صفحات كتاب «الحرب القذرة» لحبيب سويدية، الضابط السابق في وحدة مكافحة الإرهاب، وكيف قتلوا الأبرياء. ثم عبر الإنترنت شاهدنا سيولاً بشرية تجتاح شوارع الجزائر مطالبة بالتغيير. وفي تقديرنا أن الأذن الجزائرية أمام سماع 3 بيانات محتملة، الأول: مهزلة لا تليق بتاريخ الجزائر، فالجيش قد يختطف الحكم لقطع الطريق على «دخول أطراف داخلية أو أجنبية لإثارة الفتنة في الجزائر»، وسيكون مدعوماً من الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي أعلن في نهاية فبراير أن موقفه نابع من إنجازات قام بها بوتفليقة. فهل سنسمع بيان الجيش مدعوماً من بعض القوى غير الدستورية، والتي تسيطر على الحكم حيث سنرى كُهُولاً، قساة، حطام عظام طغاة، داخل ملابس فضفاضة. لا تصدر منهم إلا همهمات، مفرداتها القتل والتنكيل بشعبهم. عاشوا حياتهم لا يعرفون من الإنسانية إلا هتك حقوق الإنسان. وتكون صيغة البيان «ينفي الجيش وقوع انقلاب عسكري، مع تأكيده بسيادة السياسة على السلاح، حيث عقد الجيش اجتماعات مع القوى السياسية لإيجاد حلول سلمية للاحتجاجات التي تجتاح البلاد، وقرر إعلان الأحكام العرفية وسيطرته على مقاليد الحكم حتى يتضح الوضع السياسي لتجاوز الأزمة الراهنة». ولن يكون البيان عبر الإذاعة المحاصرة بالدبابات بل عبر تغريدة أو بيان ينتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

البيان المتوقع الثاني، سيكون دافعه انتقال وفاة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة القريبة من كونها فرضية لتصبح بديهية حتمية، والأعمار بيد الله، فمهاتير محمد، أكمل عامه الـ94 ويقود الحكومة الماليزية. لكن بوتفليقة الذي يقبع في مستشفي فرنسي في وضع صحي حرج جداً، كما تردد في بعض الأوساط الجزائرية أنه يتغذى ويتنفس اصطناعياً، ولا يستطيع النطق إطلاقاً. فهل ينهي الأزمة السياسية الجزائرية بيان تعلن فيه رئاسة الجمهورية وفاة رجل الدولة الفقيد الكبير بوتفليقة حيث تنعى ببالغ الحسرة ومنتهى الخشوع أحد أكبر رجالاتها الزعيم الوطني الغيور رحمه الله. بعدها سيتم تعيين رئيس أركان الجيش الجزائري، أو الحاكم الفعلي للبلاد شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة. أو أقلهم حظاً الدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي لكن مصيبة الجزائريين أنه أكبر من بوتفليقة.

أما البيان المتوقع الثالث فسيكون حين يستمر الشعب الجزائري في احتجاجاته السلمية بعيداً عن تأثير الأنظمة الإسلامية الشمولية، وبدون تأثير النقابات الأنانية، بعيداً عن الضغوط الفرنسية والأمريكية، فيلقي عبدالغني زعلان مدير حملة بوتفليقة من أمام مقر المجلس الدستوري بياناً رسمياً يعلن فيه سحب أوراق ترشح الرئيس بوتفليقة، متمنياً للشعب الجزائري نجاح الانتخابات، ثم يتقدم قائد الجيش بالتهنئة للفائز بعد انتهاء الانتخابات.

* بالعجمي الفصيح:

إذا لم يكن ما يجري في الجزائر كوميديا ساخرة فأين تكمن الكاريكاتورية، فالعلوم السياسية عاجزة عن تفسير ما يجري كما يقول الجزائريون، ولا بد من فتح المجال للعلوم النفسية لتعطينا الجواب، لأننا دخلنا في نوع من الهيستريا.

* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج