في شارع كندا دراي -الذي يقطع المدينة الصناعية التابعة لمدينة الكويت- تأتي مبكرا مرتدية حلة العمل الزرقاء لتفتح أبواب محلها الذي أسسته منذ 15 عاما، وقتها لم يكن أكثر من محل صغير، ليتحول الآن إلى ورشة كبيرة تضم العديد من الأيدي العاملة.

إنها الكويتية أمل الربيعة الشهيرة بأم علي، التي تعد أول امرأة كويتية تعمل في مهنة شاقة ويدوية هي ميكانيك السيارات.

تقول أم علي 'لم أخشَ كلام الناس، لا سيما في مجتمع مرفه كالمجتمع الكويتي الذي يستغرب عمل الرجل في حرفة يدوية، فما بالك بالمرأة؟'.

فضل الزوج والأبناء
وتحكي أنها واجهت في بادئ الأمر صعابا من الأهل والأقارب الذين لم يتقبلوا عملها ميكانيكية سيارات، لكن وقوف زوجها وأبنائها خلفها جعلها تتخطى تلك الصعاب وتتميز في المهنة التي ارتضتها وأحبتها.

وعلى الرغم من كونها أما لأربعة أبناء تقع مسؤوليتهم على عاتقها، فإنها بتنظيم الوقت استطاعت أن توفق بين متطلبات العمل وواجبات المنزل وهذا هو سر النجاح، وفقا لتعبيرها.

تعترف أم علي بالفضل لزوجها الذي ساعدها كثيرا، فقد كانت تنظم وقتها بحيث تكون في الورشة صباحا، وفي المساء تمكث في البيت لتساعد أبناءها في واجباتهم وترتب أمور بيتها، بينما يتسلم الزوج مكانها في الورشة.

ورغم هذا الجهد الكبير الذي بذلته للموازنة بين مسؤولية البيت ومسؤولية الورشة، تجد أم علي في قلبها مرارة وألما لعدم تلقيها الدعم من الدولة، وتستغرب كيف لم يتم الالتفات إليها ولو بمنحها لقب الأم المثالية.

هواية قديمة
وعن بداية قصتها مع الميكانيك، تقول أم علي لوكالة الأنباء الألمانية 'كنت أهوى إصلاح السيارات منذ صغري، الأمر الذي جعلني أتجه إلى التعمق في هذا المجال، فقمت بتنمية هذه الهواية بكثرة الممارسة، ثم أعلن مركز التدريب في جامعة الكويت عن تدريب الكويتيين على الأعمال اليدوية فاخترت قسم الميكانيكا'.

وتتابع 'كان اختياري محل استغراب من المدربين، لكن مع العزيمة استطعت أن أثبت نفسي، وعندما تمكنت من المهنة بدأت في التطبيق العملي، فكنت أقوم بإصلاح سيارات أهلي، وفي إحدى المرات ذهبت إلى منطقة الشويخ الصناعية لكي أصبغ سيارتي وشاهدت وُرَش الميكانيك المتعددة فعرضت على زوجي أن نستأجر إحداها لأعمل فيها، فقبل لكنه اشترط ألا أقصر في واجباتي تجاه بيتي وأسرتي'.

بعد فترة من العمل في الورشة فكرت أم علي في ترك العمل الحكومي الذي كانت فيه، خصوصا وأنها في الورشة كانت تتعلم شيئا جديدا كل يوم 'على عكس العمل الحكومي الذي لا يخرج عن الروتين المعروف'.

بدأت ورشة أم علي صغيرة تتسع لأربع سيارات وعدد قليل من العمالة، ومع الازدياد الذي لمسته في أعداد الزبائن -خاصة بعد تسليط الإعلام الضوء عليها- بالإضافة إلى أن بعض الزبائن يطلبون أعمالا كثيرة على سياراتهم من ميكانيك وصبغ وتنجيد؛ قررت توسعة المشروع وزيادة عدد الأيدي العاملة، حتى أصبحت الورشة اليوم تتسع لثلاثين سيارة.

صعوبات في الطريق
وعن الصعوبات التي واجهتها في بداية عملها الخاص، تقول أم علي 'أول الصعوبات كانت من ناحية القوة العضلية التي تتطلبها طبيعة العمل، حيث إن قوة الرجل غير المرأة فكنت أستعين بمساعد حتى أتخطى هذه المشكلة'.

وتستطرد 'كذلك فإن المرأة الخليجية مرفهة بطبيعة الحال، فكنت أعاني من حرارة الجو في الورشة، لا سيما مع ارتداء الملابس الخاصة بالعمل، التي كانت لا تتلاءم معي كفتاة كويتية، لكن حبي لهوايتي جعلني أتغلب على كل تلك الصعوبات'، وتؤكد أنها تشعر بالمتعة وهي تعمل بيديها وتطور عملها وتنمي مشروعها.

وتضيف أم علي 'متعتي أجدها كلما تعلمت شيئا جديدا، خصوصا عندما تصعب علي مشكلة وأقوم بحلها، كنت أتعلم منها وأعمد إلى إيضاح حلها لغيري ليستفيد منها'، مشيرة إلى أنها كانت تراهن الزبائن على إصلاح سياراتهم، فكانت تقول لمن يخشى أن تخرب سيارته في ورشتها 'إذا لم أصلحها لك، فلتذهب إلى الوكيل وتصلحها على نفقتي الخاصة'.

وتسترسل قائلة 'وبالفعل يوافق الزبائن على الرهان لكي يستفيدوا من الإصلاح عند الوكيل، وقبل الموعد المحدد يستلم الزبون سيارته وقد تم إصلاحها فيشكرني ويقول أنت مثال للمرأة المميزة المصرة على النجاح'.

وتحكي أم علي عن موقف لم تنسه، فتقول 'ذات مرة جاء زبون ليصلح سيارته، فوجدني وسط العمال بملابس العمل، وسأل من هذه؟ فردوا عليه بأنها صاحبة الورشة، فاستغرب من ذلك بطريقة لم تعجبني، وذكر أن المرأة ليس لها مكان إلا البيت، وهمّ بالذهاب دون إصلاح سيارته، فاتفقت معه على إصلاحها، وتعهدت له بأن يصلحها عند الوكيل على حسابي الخاص إن فشلت، فوافق، وعندما أصلحتها شكرني واعتذر واعترف بأني لقنته درسا لن ينساه، وأصبح زبونا دائما في ورشتي'.