الجزائر - جمال كريمي

صعب على الجزائريين الوصول إلى العاصمة، الجمعة، نتيجة للقرار المتخذ من طرف السلطات العمومية، بتعطيل حركة النقل العام، كالقطارات والحافلات والمترو والترامواي، كما قيد عناصر الدرك الجزائري الذين انتشروا عند مداخل العاصمة في وصول الآلاف من الجزائريين الذين فضلوا التنقل بإمكانياتهم الخاصة، وتم منع المئات منهم الدخول أصلا، لكن هذا الأمر لم يمنع الآلاف من مواصلة السير واللحاق بالطوفان البشري غير المسبوق الرافض لتمديد عهدة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ورحيل النظام.

وفي ساحة البريد المركزي كانت بعض الحشود قد شرعت في التظاهر، مرددة الشعارات التي ألفوها منذ جمعة 22 فبراير الماضي، ومنها "يا بوتفليقة يا السعيد - السعيد شقيق الرئيس ومستشاره الخاص - الجزائري ليسوا عبيد"، وأخرى تدعوا للرحيل بالفرنسية "dégage" إضافة إلى "كليتوا لبلاد يا سراقين"، "أكلتم البلاد أيها اللصوص".



وكما اعتاد الجزائريون على ترديد تلك الشعارات، تعودوا أن المسيرات ستجرى في سليمة، فالمقاهي والمطاعم بقيت مفتوحة، رغم أن الجمعة هو عطلة نهاية الأسبوع في البلاد. يقول محمد صاحب محل للوجبات الخفيفة في شارع علي بومنجل في قلب العاصمة لـ"الوطن"، "الجمعة هو عطلة بالنسبة لنا، لكن فضلنا اليوم أن نشتغل وبصفة عادية، حتى نساعد آلاف الجزائريين الذين دخلوا العاصمة، نقدم لهم وجبات خفيفة يسدوا بها الجوع، فالكثير منهم من وصل للعاصمة صباحا، وسيعودون إلى بيوتهم في آخر اليوم"، وفي المقهى الشهير "ميلك بار"، واصل المحل تقديم خدماته بصف عادية حتى موعد صلاة الجمعة.

وفي مسجد الشيخ "ابن باديس" - "ابن بايس"، هو رائد النهضة النهضة الحديث في البلاد - تجنب الإمام الالتزام بالتعليمات التي وجهت من طرف وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، وتدعو من خلالها الأئمة إلى التركيز في الخطبة على الوفاء، وقصدت المراسلة الوفاء لشخص الرئيس بوتفليقة، وبداية الأسبوع، خرجت تنسيقية الأئمة ببيان تؤكد فيه على ضرورة تخلي الوزارة "عن إملاء الخطبة الموحدة".

إمام مسجد بن باديس، دعا المصلين إلى ضرورة الحفاظ على سلمية حراكهم، والحذر كل الحذر من المندسين الذي يتغلغلون وسط المتظاهرين السلميين في محاولة منهم للتشويش عليهم، والاعتداء على الممتلكات العمومية، وما زاد من حماس المصلين وهم بالآلاف وصفه هذا الحراك بأنه من "أيام الله المباركة"، وشبهه بتاريخ اندلاع الثورة التحريرية ضد المحتل الفرنسي في الفاتح نوفمبر 1954، وتاريخ 5 يوليو 1962 المصادف لاستقلال البلاد، وكانت تُسمع من داخل المسجد التكبيرات، ليختم الإمام خطبته بالدعاء لأن يحفظ الله البلاد، وأن يرزق هذا الشعب قائداً قادراً على حماية وطنه وشعبه، وتحقيق جميع آمالهم.

وبعد انتهاء الصلاة، واصل الزحف البشري مسيرته، بعضهم ردد "جزائر حرة ديمقراطية"، وآخرون رددوا النشيد الوطني "قسما"، وغالبتيهم رفعوا الرايات الوطنية، حتى أن بعض منتسبي الأحزاب تخلوا عن شعاراتهم الحزبية، لأن اليوم هو يوم الجزائريين وفقط.

ووسط الحشود البشرية، اتجه العشرات إلى إحدى الزوايا، والمفاجأة حضور المجاهدة الكبيرة "جميلة بوحريد"، رغم تقدمها في السن وحالتها الصحية، إلا أن هذا لم يمنعها من الالتحاق بالركب ولسانها يخاطب الشباب "هذا موعدكم، حانت فرصتكم، ونحن ورائكم".

وشهدت المسيرة إنزالاً كبيراً لقوات الشرطة في شوارع العاصمة، التي تعاملت بلين كبير مع ملايين البشر، فالتعليمات التي وصلتهم تؤكد على ضرورة تفادي الاصطدام مع المحتجين، وتركهم في حال سبيلهم وعدم اعتراض المسيرة.

وعاينت "الوطن" في عين المكان، أن أفراد الشرطة كانوا من دون مسدسات، ولا حتى قاذفات الغاز المسيل للدموع، لتفادي استفزازاً المتظاهرين، الذين بادلوا قوات الشرطة التحية وقدموا لهم الورود والمياه وهم يهتفون "الشعب والشرطة خاوة خاوة "إخوة إخوة"".