كم مرة التقيت بزميل دراسة قديم، كان متأخراً في التحصيل الدراسي، وربما يعاني من تعثر دراسي، لتفاجأ أنه قد تميز وتألق في الحياة العملية، فيبهرك هذا الوضع ويثير التساؤلات الكثيرة في ذهنك، وتظل تلك التساؤلات بلا إجابة، فتهز رأسك وتقول إنه الحظ.

وكم مرة التقيت بزميل دراسة متفوق ومتميز في الحياة المدرسية فتجد أن وضعه في الحياة العملية متواضع بسيط، وفرص التطور أمامه محدودة، فيثير هذا الوضع التساؤلات في ذهنك، وبالطبع تبقى التساؤلات بلا إجابة، وتهز رأسك وتقول إنه غير محظوظ.

فدعونا في هذا المقام نحاول الإجابة عن هذه التساؤلات، إن الحياة العملية تحتاج لنوعين من المهارات، مهارات في مجال المهنة والتخصص، والجانب الثاني مهارات قيادية، ومهارات حياتية وفنون التواصل مع الآخرين وبناء العلاقات الإيجابية. فإن أتقن الموظف النوعين من المهارات «المهنية والقيادية الحياتية»، تميز وبرز وتألق وفتحت أمامه الفرص ليصل إلى أعلى المراتب، وإن لم يتقن النوعين من المهارات، بالطبع كان من الخاسرين في عمله!!!! هذا إن حصل على فرصة عمل، وستجده يندب حظه لأنه لا يملك واسطة!!!! تعينه على الحصول على فرصة العمل، ولكن ماذا لو كان يتقن نوعاً واحداً من هذه المهارات؟

فلو أتقن المهارات في مجال المهنة والتخصص فقط ولا يمتلك المهارات القيادية، والمهارات الحياتية ومهارات التواصل مع الآخرين، أعتقد أن هذه الحالة تنطبق على زميلك المتفوق المتميز دراسيا، فستجده سيحصل على فرصة عمل بسرعة فهو مطلوب لكفاءته المهنية، بل وربما يستقر في عمله مدة طويلة، لكنه لن يتميز ولن يتألق لأنه افتقد أهم المهارات.

في حين تجد من يملك القدر البسيط من المهارات في مجال المهنة لكن لديه مهارات القيادة والمهارات الحياتية ويتقن فنون التواصل مع الآخرين، هو ذاك الشخص الذي يتميز ويتألق. ومن هنا نخرج بحقيقة علينا أن نواجهها فنكون واقعيين في التصديق بها وهي أن اكتساب المهارات الحياتية ومهارات القيادة هي الأكثر أهمية للطالب والموظف، وهي السبب الحقيقي وراء التميز والبروز في المجتمع، كما أن مهارات التواصل تفتح لك كنزاً يتمنى الجميع الحصول عليه إنه كنز «الواسطة»، فسيقتنع بك الكثير وسيتوسط لك وسيدافع عنك لأنك أقنعته بنفسك وبقدراتك، ولأنه اطمأن لك.

ففي الحياة العملية، نحتاج للقدرة على بناء العلاقات مع الآخرين، سواء فترة العمل أو حتى خارجها لذا تجد الكثير من الموظفين لاسيما الرجال منهم يهتمون بارتياد المجالس فهي تعطي فرصة لبناء العلاقات والتواصل مع المسؤولين خاصة، ومن المهارات المهمة للنجاح في العمل، القدرة على التعبير عن الرأي والدفاع عن وجهة النظر، وتجد أكثر الموظفين نجاحاً من يعرف كيف يسوق لنفسه، وهنا استوقفني حديث دار بيني وبين أحد الفنانين، في معرض حديثه عن فنان زميل له، كان يشهد له بالكفاءة والتميز في فنه، لكن مشكلته أنه لا يعرف كيف يسوق لنفسه، أو على الأقل لا يعرف كيف يجد من يسوق له، وكم سمعنا عن فنانين وشعراء كانوا مغمورين في حياتهم حتى توفوا، ولم يُكتشف فنهم إلا بعد موتهم. ولعل من المهارات المهمة فن تقبل آراء الآخرين، ليس آراءهم فحسب بل وحتى طبائعهم وطريقة تعاملهم والتعايش معهم والأنسام مع الأنماط المختلفة من الشخصيات، وقد يكون هنا جوهر القصيد فتجد ذاك الطالب المجتهد قد تعود على أن يحبس نفسه للاستذكار والدراسة، واقتصر في علاقاته مع زملائه على التعامل مع الطلبة المثاليين المتفوقين فقط، ولم يتعود على التأقلم مع الأنماط المختلفة من الشخصيات، فتجده في حياته المهنية يستنكر باقي أنماط الشخصيات التي لم يألفها ويعتبره أمراً خارجاً عن الجادة الصحية.

ومما لا شك فيه أن مهـــــارات القيادة من المهارات الضرورية لتميز الموظف، فإن افتقــــــدها فسيحرم من فرص الإرتقاء في عمله. إن مهارات القيادة تختصر طريق النجاح، فالقدرة على التخــــــطيط، والمتابعة، والإشراف والتنفيذ، وتقييم التجارب، ونقل المعرفة والاستفادة من التجارب الدولية، تساعد على تحقيق النجاح.

وهنا نتساءل، لماذا مؤسساتنا التعليمية تركز بشكل كبير على تنمية الجانب الأكاديمي النظري والمهني فقط، ولا تركز على تنمية المهارات الحياتية ومهارات القيادة؟ والجواب لأن التعلم يكون من خلال الصف الدراسي، في حين أن تعلم هذه المهارات يكون من خلال الأنشطة الطلابية التي تكون عادة في أروقة الجامعات والمدارس أي خارج الصف الدراسي، من هنا كلنا نلحظ ان غالبية الطلبة المتميزين في الأنشطة الطلابية في الحياة الجامعية، يتميزون في حياتهم المهنية لأنهم اكتسبوا مهارات القيادة ومهارات التواصل مع الآخرين من خلال هذه الأنشطة.

ومن هنا دعونا نعيد النظر في طريقه إعداد الشباب وبنائهم، ليكون من خلال الأنشطة الطلابية والتطوعية التي من خلالها يكتسب الشباب مهارات القيادة، وفنون التواصل مع الآخرين، فالتفوق في التحصيل الدراسي لا يغني عن التميز في مهارات الحياة والعكس صحيح. ودمتم أبناء قومي سالمين.