منذ استقلال جمهوريات آسيا الوسطى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي اكتفى العرب بعلاقات خجولة معها. عوامل كثيرة أدت إلى ذلك رغم الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والجيوسياسية لهذه العلاقات، ورغم الفرص التي يمكن أن تنتج عنها.

الدبلوماسية البحرينية وعت مبكراً أهمية إنشاء جسور بين الخليج العربي خصوصاً ودول حوض بحر قزوين، في حين كان كثيرون ينظرون لعلاقات تنافس لا تكامل باعتبار المنطقتين غنيتين بالنفط والغاز. غير أن السلوك السياسي للبحرين سار في اتجاه آخر؛ إن التعاون مع منطقة تمثل واحدة من أغنى مناطق العالم في احتياطي النفط والغاز سينتج فرصاً اقتصادية وسياسية هائلة.

في هذا السياق، تكتسب زيارة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، إلى جمهورية تركمانستان أهمية استثنائية. وفي حين تؤكد الزيارة توجه السياسة الخارجية شرقاً، فإنها في الوقت نفسه تعبر عن فهم عميق لمصالح منطقتنا وإيمان راسخ بأهمية نسج علاقات قوية مع دول آسيا الوسطى.

لطالما كان بحر قزوين مثار خلاف بين الدول المطلة عليه؛ روسيا وتركمانستان وأذربيجان وكازاخستان وإيران، لغناه بمصادر الطاقة، بل إن صراع الدول الكبرى تمحور في كثير من الأحيان حول مواقع النفوذ على أكبر بحر مغلق في العالم.

وازداد الحديث عن أهمية بحر قزوين لدول الخليج العربي مع ازدياد تبجحات إيران وتهديدها بإغلاق مضيق هرمز، إذ عنى ذلك حينها حرمان نفسها من الحصول على 370 ألف برميل من النفط للاستهلاك المحلي كانت تأخذها من دول بحر قزوين مقابل 370 ألف برميل تصدرها من مضيق هرمز بعد فرض عقوبات المجتمع الدولي.

لكل ذلك وغيره من الأسباب الاقتصادية المتشابكة المتعلقة بأنابيب النفط والغاز، لم يعد الحديث عن الارتباط العضوي بين أمن كل من بحر قزوين والخليج العربي والبحر الأحمر مجرد تحليلات جيوسياسية، بل حقيقة تسعى البحرين إلى التعامل معها بالاستفادة من الروابط التاريخية والحضارية التي تربط دولنا بدول آسيا الوسطى.

تمد البحرين يدها شرقاً وغرباً لفتح آفاق جديدة تؤمّن لهذه المنطقة الاستقرار والسلام والرخاء. وتتجه اليوم إلى تركمانستان وعينها على علاقات قوية تحقق للبلدين مصالحهما في وجه أطماع يكاد يكون مصدرها واحداً.

وفيما تمثل الرحلة من البحرين إلى تركمانستان جغرافياً قفزاً فوق إيران على الخارطة، فإن علاقات المنامة وعشق آباد قد تمثل ذلك بالمعنى السياسي.