أتذكر كيف قامت الدنيا ولم تقعد على العرب والمسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة الأمريكية، وكيف أن هذا العمل الإرهابي الذي أدانه العالم، بما فيه الدول العربية والإسلامية، جاءت فاتورته باهظة جداً، حيث تم اتهام ديننا بالإرهاب، وتم استغلاله لغزو العراق ومن ثم تفتيت هذا الكيان العربي، والذي انتهى به الأمر في أحضان الأطماع والسطوة الإيرانية.

بل وحتى وقت قريب، تخرج أصوات أمريكية تستهدف الشقيقة المملكة العربية السعودية كنظام ضالع في هذه الأحداث، وتطالب بمبالغ تعويضية، وكأن من قام بالعمل الإرهابي دول وليست مجموعات متطرفة من عدة جنسيات، تمتلك أجندة تماثل تماماً الأجندة العنصرية والإرهابية التي نراها تبرز بين فترة وأخرى من قبل تنظيمات أو أفراد من دول ليست عربية ولا إسلامية.

في العمل الإرهابي على الولايات المتحدة الأمريكية، الجميع أورد مصطلح «الإرهاب»، لم يتردد أحد في وصف ما حدث بأنه فعل إجرامي، لكن للأسف ما حصل في نيوزلندا مؤخراً وراح ضحيته قرابة 50 شخصاً من المسلمين، وجدنا تعاطي بعض وسائل الإعلام معه بأسلوب يحاول أن يتجنب ذكر مصطلح «إرهابي»!

نرصد فيما مضى حوادث إجرامية وإرهابية عديدة في الدول الأجنبية، يقوم بها متطرفون عنصريون، أو مجرمون، وبعضها تستهدف المسلمين أو الأقليات من الجاليات، ومع ذلك يكون تبرير الفعل بأن تخرج جهات أو وسائل إعلام لتصف الإرهابي المنفذ لهذا العمل بأنه «مختل عقلياً» أو «مهووس نفسياً» أو «مضطرب عاطفياً»، والهدف من ذلك طبعاً تخفيف العقوبة، والتقليل من وطأة الحدث، ومحاولة نفي وجود حالات من التطرف والعنصرية والدعوة للإرهاب والإجرام بحق الآخرين وبالأخص العرب والمسلمين.

تذكرون العمليات الإرهابية التي كان يقوم بها «تنظيم داعش» الإرهابي، وكيف أنه مع كل حادث يحصل إن كان في الدول الأجنبية، يكون الانتقام والاستهداف في اتجاه عموم الأمتين العربية والإسلامية، وكأننا نحن من يدعو للقتل، وكأننا نحن من يقوم بالإرهاب، متناسين بأننا أول من يدين هذه الأعمال، وأننا أول من يتبرأ من هؤلاء، ويعلو صوته بأن هؤلاء لا يمتون للإسلام بصلة، فديننا يحرم قتل النفس.

وسائل إعلام أمريكية تجنبت ذكر كلمة «إرهابي» بحق المجرم العنصري الأسترالي الذي نفذ العمل الإرهابي الجبان، وأنظمة عبر متحدثيها الرسميين ركزت على توصيف «عمل عنيف» فقط، وشخصيات أجنبية سقطت في مطبات موحلة حينما حاولت التعليق على الحادثة، إذ كشفت وجود قناعات عنصرية بداخلها، وتوجهات تمييزية عرقية في فكرها، والمؤلم أنها كشفت عن وجود كراهية متأصلة للمسلمين.

وسط كل هذه المشاهد المتقلبة، كان المشهد المشرف الأبرز متمثلاً بالشاب الأسترالي ويل كونلي ذي الـ 17 ربيعاً، هذا الشاب الذي لم يتردد في ضرب السيناتور الإسترالي المتطرف خلال تصريحه للإعلام بلغة عنصرية طائفية، بل قام هذا الشاب الشجاع بتصوير حادثته، ووضعها على حسابه في «تويتر» وكتب كلاماً كبيراً يؤكد فيه على رفضه التطرف والعنصرية، بل ودافع بشكل مستميت عن المسلمين رافضاً أن توجه التهمة للإسلام بأنه دين تطرف، بل قال إن من يؤسسون للتطرف هم الذين على شاكلة السيناتور الأسترالي وكل من يحاول أن يحرف الحقيقة عن وصف الفعل الذي تم بأنه إرهاب صريح.

هذا الشاب، حصد تحت تغريداته سيلاً لا يتوقف من الردود الشاكرة والمقدرة والمادحة لشهامته وصراحته وإنسانيته من قبل آلاف المسلمين والعرب والأسوياء ذوي المشاعر الإنسانية من الغرب، قبل أن تقوم إدارة «تويتر» بإلغاء حسابه، وواضح أن ذلك تم بعد حملة «ريبورت سبام» قام بها أشخاص تسري العنصرية والتطرف في دمهم.

«فتى البيضة» هذا، والله «أرجل» من كثيرين، والله أشجع من جموع دفنت رؤوسها في التراب كالنعام، فقط لأن الإرهابي ليس مسلماً وليس عربياً.