تكتسب الزيارة الرسمية التي يقوم بها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، إلى جمهورية تركمانستان أهمية كبيرة، ودلالة حقيقية، تنم عن وعي البحرين وإدراكها، لحقيقة تطور الأوضاع الإقليمية والدولية، وإيجاد تحالفات استراتيجية بمواجهة التهديدات الإقليمية والدولية. لذلك كانت رؤية البحرين الاستراتيجية من خلال تعزيز علاقات التعاون مع كافة الدول، وهذا هو النهج العاقل الذي تخطته الدبلوماسية البحرينية منذ أمد بعيد، والذي يمتد لنحو نصف قرن، من خلال مثلث دبلوماسي استراتيجي، يتمتع بالمثالية، أضلاعه، اعتدال النهج، وثبات الموقف الداعم للشرعية، واتزان رد الفعل. من هذا المنطلق استطاعت الدبلوماسية البحرينية أن تعزز علاقاتها بجميع دول العالم على حد سواء، وفي ذات الوقت، تمكنت من الدفاع عن استقلاليتها وحماية المصالح الاستراتيجية على المستوى الخليجي والعربي والدولي.

وكانت أحدث تلك العلاقات، ما بين المنامة وعشق آباد. وقد حققت زيارة حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، إلى تركمانستان نجاحاً كبيراً على كافة الأصعدة، لاسيما وأنه تم خلال الزيارة التوقيع على 9 اتفاقيات ومذكرات تعاون، شملت قطاعات، المالية، والدبلوماسية، والصناعة والتجارة، والتربية والتعليم، والنفط والغاز، والنقل، والسياحة، والرياضة، والحكومة الإلكترونية، إضافة إلى تأسيس مجلس مشترك بين البلدين على المستويين الحكومي والخاص.

وبلاشك فإن تلك الاتفاقيات ومذكرات التعاون والمجلس المشترك تصب في صالح الاقتصاد البحريني، لاسيما وأن تركمانستان، تحظى بأهمية سياسية واقتصادية.

وفيما يتعلق بالشأن الاقتصادي، فإن عشق آباد، تمتلك ثروات باطنية هائلة، حيث يبلغ مستوى إنتاجها من الغاز الطبيعي فقط، ما يقارب 70 بليون متر مكعب سنوياً، وتعد الرابعة عالمياً في احتياطي الغاز والنفط، كما يوصف الاقتصاد التركمانستاني على أنه أحد أسرع الاقتصادات نمواً لاسيما ما يتعلق بالقطاع الزراعي وإنتاج وزراعة القطن والقمح.

وعلى المستوى السياسي، تميزت تركمانستان، بإقامة علاقات قوية تربطها بمحيطها الإقليمي والدولي، في إطار من الحيادية والنأي بالنفس وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولابد أن يؤخذ في الاعتبار عامل الاستقرار الذي تتمتع به عشق آباد، مقارنة بالدول التي تجاورها، حيث تطل على بحر قزوين غرباً، وعلى حدودها الجنوبية تقع كل من إيران وأفغانستان، وأوزبكستان إلى الشمال الشرقي، وكازاخستان في الشمال الغربي.

ويكشف البيان المشترك للزيارة الرسمية، مدى التفاهم بين البلدين على عدد من النقاط والمحاور الاستراتيجية لعل أبرزها، «التزم كل طرف بمواجهة الإرهاب الدولي والتطرف والجريمة المنظمة عابرة الحدود، والتعاون في مجال الأمن السيبراني»، و«التناغم الواضح بين نهج السياسة الخارجية للبلدين، والذي يعتمد على المصداقية العالمية، ويدعو للتعقل والحوار، وتحقيق السلام العالمي، وتنمية العلاقات الثقافية الدولية، وتعزيز الثقة المتبادلة بين شعوب العالم»، وتعزيز التعاون بين البلدين في مجالات شتى، لاسيما ما يتعلق بالقطاع المالي والنفط والزراعة، التكنولوجيا والثقافة.

بيد أنه من اللافت ما تتقاطع فيه كل من المنامة وعشق آباد، بشأن السياسة الخارجية المتزنة، التي يرسخها مبدأ الحياد، من خلال إقامة علاقات قوية وراسخة ومتوازنة مع كافة الدول، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

ولقد توجت الزيارة بتقليد رئيس تركمانستان، حضرة صاحب الجلالة، عاهل البلاد المفدى، وسام «الحياد»، والذي يعد أعلى وسام في دولة تركمانستان، اعترافاً بجهود جلالته في تحقيق السلام والتنمية، ونظرته الإنسانية فيما يتعلق بالتعايش والتسامح، وتأسيس مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، وتعزيز الحوار العالمي، من خلال نبذ التطرف والكراهية، ونشر قيم التعايش ومحاربة الإرهاب.

لذلك تتسارع وتيرة البحرين في تقوية علاقاتها مع دول الشرق والغرب، وتعزيز الجوانب السياسية والاقتصادية، خاصة مع ما تشهده المنطقة من أحداث وتحديات، لعل أبرزها محاولات إيران تأجيج العنف في المنطقة من خلال دعم الميليشيات الإرهابية المسلحة، وتهديداتها للملاحة الدولية في مضيق هرمز وبحر عمان ومضيق باب المندب، وآخرها، تدريب خبراء إيرانيين لعناصر من ميليشيات الحوثي على استهداف السفن وتفخيخ خطوط الملاحة الدولية.

* وقفة:

التناغم السياسي والاقتصادي بين المنامة وعشق آباد لاسيما ما يتعلق باستراتيجية الحياد يلقي بظلال إيجابية على النهضة القائمة في البلدين عبر تعزيز التعاون بمواجهة تحديات إقليمية ودولية!