قدمّت نيوزيلندا، هذه الدولة البعيدة الآمنة المستقرة ولأول مرة مجموعة من القرابين والشهداء في حادث إرهابي قذر استهدف مسجداً للمسلمين في يوم الجمعة الماضي. أكثر من 50 شهيداً «وليس قتيلاً» هم ضحايا هذا العمل الإرهابي الجبان.

كل العالم استنكر هذه الحادثة البشعة، وإن كان استنكار بعضهم كان على استحياء، ولو كان الأمر بيدهم لما استنكروا ولا شجبوا أو حتى نطقوا، لأن حساسيتهم من المسلمين سلبية في غالب الأحيان وربما تفوق المتوقَّع.

نحن حين نتحدث عن الإرهاب في كل العالم فإننا نتحدث بلغة واحدة وبمسطرة واحدة وبوجه واحد، فكل ضحية من ضحايا الإرهاب نسميه شهيداً مهما كان جنسه ودينه والمكان الذي سقط فيه، لأننا ضد تصنيف الضحايا الأبرياء على أساس الدين والعرق والجنسية، فتعاطفنا ووقوفنا معهم يعني أننا «إنسانيون» قبل أن نكون مسلمين، لكن في الضفة الأخرى من العالم، يبدو أن لديهم معايير مختلفة وربما تكون منحازة أو في كثير من الأحيان «عنصرية» تجاه «هوية» الضحايا.

كلنا يتذكر جيداً وبقوة حين قام إرهابيون بعمل إرهابي في باريس في العام 2015 راح على إثره نحو 17 شهيداً وأكثر من 20 جريحاً، وقتها حجَّ غالبية زعماء العالم جهة العاصمة الفرنسية لتقديم التعازي لفرنسا وللرئيس الفرنسي. وقف أكثر رؤساء الدول والحكومات الذين ساروا متلاحمين حول الرئيس الفرنسي دقيقة صمت مع حشود بشرية هائلة معهم بلغت ما يقرب من مليون ونصف مليون شخص للمشاركة في مسيرة تاريخية ضد الإرهاب إثر الاعتداءات التي شهدتها العاصمة الفرنسية التي تحولت مواساة ذات بعد عالمي مع مشاركة خمسين ممثلاً لدول أجنبية في المسيرة. هذا السلوك الدولي هو المطلوب في حال جرى أي اعتداء على أية دولة في العالم دون النظر إلى هوية الضحايا.

لكن السؤال المهم هنا، لماذا لم يحضر زعماء دول العالم إلى نيوزيلندا بعد الحادث الإرهابي للمشاركة في تشييعهم والخروج في مسيرة «دولية» تندد بهذا العمل الإرهابي الجبان؟ أم أنهم اكتفوا بإرسال برقيات تعازٍ باردة وكأن من ماتوا لا يستحقون أكثر من ذلك.. لماذا؟

هل لأنهم مسلمون؟ هل لأن دم المسلمين بات رخيصاً جداً على الصعيد الدولي والإرهابي؟ أم لأن هوية الضحايا هي التي تحدد مدى قوة غضب العالم المتقدِّم من عدمه؟

هذه أسئلة حرجة وحساسة لكنها ترسم لنا انطباعاً سيئاً جداً حول هذا الموضوع، وهو أن دماء المسلمين اليوم باتت أقل قيمة من دماء بقية شعوب الأرض، وعليه فمازالت غالبية الدول الكبرى تمارس عنصريتها ضدنا حتى ونحن شهداء. فهل هناك معايير أسوأ من هذه المعايير المزدوجة والمفضوحة؟