ليست «حماس» وحدها التي لا تتردد عن ممارسة العنف ضد المتظاهرين المحتجين على قراراتها وسلوكها ولكن كل أولئك الذين يتبجحون بالشعارات الفارغة التي يرفعونها ويتخذون من قضايا الناس وحقوق الإنسان عنواناً. كل هذه الجهات إن وجدت أو حتى قدرت أن مصالحها مهددة تترك تلك الشعارات جانباً وفي لحظة تتحول إلى وحش كاسر. هذا يشمل كل مجموعة تدعي أنها معارضة في كل مكان في العالم. المؤلم أن هذه حقيقة ولا يمكن أن تكون غير هذا أياً كان حجم الإنكار الذي من الطبيعي أن تبديه كل الجهات المقصودة بهذا الاتهام، فليس من المعقول أن تقول أي مجموعة معارضة إنها يمكن أن تمارس ما مارسته «حماس» لو أنها شعرت بأن السلطة التي تمتلكها تتعرض للخطر، لكنها في واقع الأمر تفعل. بناء على هذه الحقيقة فإن كل من يلوم أي سلطة في العالم ويستكثر عليها الدفاع عن نفسها مخطئ ولا يفقه في هذا الشأن شيئاً. أن ترفع الشعارات شيء وأن تشعر بأن الأرض من تحتك تهتز بسبب سلوكك أو قراراتك أو مواقفك شيء آخر. في الحالة الأولى أنت مسالم وكالحمل الوديع، لكنك في الحالة الثانية تتحول إلى عدواني وتخرج الذئب الكامن فيك. هذه للأسف طبيعة البشر، لهذا فإن كل مجموعة تقول بأنها تعمل من أجل الصالح العام وتسعى إلى مناصرة حقوق الإنسان كاذبة، بشكل أو بآخر، ذلك أنه عندما تقترب النار منها يتبين معدنها الحقيقي. لولا أن «حماس» شعرت بأن السلطة يمكن أن تفلت من يدها وينتهي حكمها لقطاع غزة لما استأسدت على الفلسطينيين الذين ترفع شعارات النضال من أجلهم. كل «المعارضات» التي تصل إلى السلطة تتحول بشكل تلقائي إلى «سلطويات» ويصير همها الدفاع عن نفسها وعن سلطتها وكرسيها. من يقول بغير هذا يكذب. هذه «المعارضات» تنتقد السلطة في بلادها عندما تلجأ إلى استخدام مسيلات الدموع لتفريق مظاهرة، لكنها لا تتردد لو كانت هي السلطة عن استخدام الرصاص الحي وما يصعب تخيله من أدوات وممارسات. وما الذي حدث ولايزال يحدث في غزة إلا مثال ونموذج. قيام إسرائيل بمثل هذه الممارسات العنيفة خلال مواجهتها المناضلين الفلسطينيين مبرر ولا يمكن لعاقل أن يستغربه، فإسرائيل إن لم تفعل هكذا ينتهي أمرها، لهذا -من الناحية المنطقية- كل ما تقوم به ضد الفلسطينيين مستوعب. غير المستوعب هو أن تقوم «حماس» أو غيرها بالأمر نفسه. إسرائيل لا ترفع شعار الدفاع عن الإنسان الفلسطيني. «حماس» هي التي ترفع هذا الشعار. لهذا فإن أحداً لا يستغرب من سلوك وممارسات إسرائيل، لكنه يستغرب مليون مرة من سلوك وممارسات «حماس» ومن قراراتها التي لا تريد بها سوى حماية نفسها ومصالحها ومصالح المحسوبين عليها.

ولأن السلطة الفلسطينية لا تمتلك القدرة على فعل شيء ولا تريد أن تدخل في مواجهة مع «حماس» تؤدي إلى إضعاف الموقف الفلسطيني أكثر وتحمل الفلسطينيين خسائر أكبر لذا لم تجد أمامها سوى أن تطلب من مصر الضغط على «حماس»... «لكبح العنف الذي تمارسه ضد المتظاهرين المحتجين على الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة».

الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان «ديوان المظالم» ذكرت أنها وثقت منذ بدء الحراك في غزة عمليات فض بالقوة لـ25 تجمعاً و1000 حالة احتجاز لمواطنين غزاويين على خلفية حراكهم.

الشعارات النارية التي يرفعها أولئك في كل مكان تضيع في لحظة إحساسهم بأن السلطة القليلة التي في يدهم مهددة فيتحولون إلى ذئاب يبدو معهم الذئب الإسرائيلي حملاً وديعاً. وليست الاعتقالات السياسية والملاحقات الأمنية إلا مثالاً ودليلاً.