يُعاني القطاع العام والحكومي في مختلف بقاع العالم من رتابة في الأداء ونمط تقليدي في الإدارة العامة، وهذا النسق يحول دون إحداث ابتكار جذري في القطاع العام خاصة في ظل الدولة الريعية والبطالة الهيكلية وتزايد كلفة الخدمات العامة والذي يرافقه وارتفاع في سقف التوقعات لدى المواطنين في ظل ثورة المعلومات والاتصالات. ورغم أنَّ حصة القطاع العام من الدخل القومي في معظم الدول، تتراوح ما بين 20-30% إلا أنَّ ذلك لا ينعكس في نوعية وعدد الابتكارات المؤسسية والتقنية وفي ابتكارات نموذج الأعمال «Business Model» والابتكار الاجتماعي والابتكار المفتوح.

هناك ضغوطات مجتمعية نتيجة العولمة والمعلومات الكثيفة «Big Data» وانتشار المعلوماتية ووسائل التواصل الاجتماعي وظاهرة الديمقراطية الرقمية «Digital Democracy»، وتسارع وتيرة الزمن في ظل الحكومة الإلكترونية والأهداف التنموية للاستدامة «SDG’s» والتي تتضمن المدن الذكية والبنية التحتية للمدن والابتكار. توضح الدراسات المتعلقة بمختبرات الابتكار في عدة دول مثل جورجيا، أرمينيا ومقدونيا بأن إشكالية معظم الدول تكمن في الحوكمة حيث إن الحكومات مازالت تحاول حل مشاكل القرن الحادي والعشرين عبر حلول من القرن التاسع عشر. لذا نرى العديد من الدول تعاني من خلل في نظام الحوكمة وإدارة المال العام والفاعلية المؤسسية والابتكار. لذا تعنى مختبرات الابتكار الحكومي في جعل المجتمعات أكثر ذكاءً وتواصلاً وشفافية ولا مركزية ومرونة في التصدي لمختلف التحديات. وللاستجابة لهذه التحديات المجتمعية والبيئية، تم تطوير نماذج لمختبرات الابتكار الحكومي وتطوير السياسات العامة بحيث توفر مناخاً مناسباً لتوليد الأفكار الجديدة عبر الحوار مع الجهات الحكومية المختلفة والجامعات والمجتمع المدني والجمهور.

وتتيح مختبرات الابتكار الحكومي منهجية استخدام التفكير التصميمي «Design Thinking» والتي تشمل الفهم العميق لحاجات المجتمع وتطوير نماذج عملية لحل المعضلات المجتمعية بحيث تحسن من مستوى الحياة والدخل والخدمات العامة من تعليم وصحة وخدمات مجتمعية. وهناك تجارب لمختبرات الابتكار الحكومي في فنلندا وأستراليا وبريطانيا وأمريكا والتي تحفز الحكومات على تصميم خدمات وفضاءات حضرية مثل تجربة دبلن التي جمعت المهندسين والمدراء لتقديم حلول للمدينة المستدامة.

كذلك توفر المعلومات الكثيفة والتحليل المعلوماتي فرصة لفهم حجم المشكلة وتأثيرها على الجهات المختلفة وأصبحت توفر إمكانيات تحليلية هائلة لسبر غور المشكلات وفهم العلاقات بين المتغيرات مما يساهم في توفير حلول عملية مناسبة. وهذا يظهر جلياً في تجربة فرنسا لتحسين قدرات الشباب في التعليم عبر تطوير سياسات عامة قابلة للاختبار عبر الحوار المجتمعي.

وتسهم الجامعات مثل جامعة الخليج العربي بدور حيوي في رفد مختبرات الابتكار الحكومي بالمعارف المختلفة واختبارها بحيث تتواءم وحاجات المجتمع. ومثال ذلك تجربة مختبر الابتكار الحكومي في جامعة نيويورك حيث وفرت معلومات وتقنيات لتحليل المعلومات من أجل فهم حاجات المجتمع وتقديم حلول ناجحة عبر مفهوم الحكومة المفتوحة «Open Government» والتي تسعى لفهم وتلبية حاجات المجتمع بشكل تشاركي وفعال وتعتبر تجارب الولايات المتحدة الأمريكية في مختبرات الابتكار في عقد الثمانيات غنية حيث أّسست ما يزيد عن 2000 مختبر للابتكار الحكومي من أجل تطوير فاعلية الإدارة العامة في الحكومة وجعل الحكومات ريادية وتتشارك مع القطاع الخاص والمجتمع المدني من أجل توفير المعرفة لرفد سياسات العامة بشكل علمي ومنهجي وتعزيز التنافسية في القطاع العام وتمكينه من قبول الابتكارات الجذرية في المؤسسات الحكومية من خلال الاختبار والتجريب والحوار بين القطاعات المختلفة حيث تبرز الحلول المناسبة من خلال التشبيك بين المؤسسات المختلفة. وتوفر وسائل التواصل الاجتماعي منصات مناسبة لتواصل القطاع العام مع الجمهور من أجل جعل المدينة أكثر أماناً وذكاءً وتواصلاً، عبر تطوير نظم مبتكرة وعلاقات جديدة بين الجمهور والقطاع العام.

خلاصة القول، تمثل مختبرات الابتكار الحكومي فرصاً لتطوير مؤسسات القطاع العام من خلال تعزيز الابتكار المعتمد على المستخدمين والابتكار المفتوح عبر استثمار تقنيات المعلومات والاتصال كي تكون الحكومات ذكية وشفافة، لكن يبقى السؤال الجوهري هو مدى قبول ثقافة التغيير المؤسسي وقبول الحلول التشاركية، لأنه الاستدامة المؤسسية والمجتمعية مرهونة بإتقان فن الاستماع وفن التنفيذ السريع في عصر التحول الرقمي.

* رئيس قسم الابتكار وإدارة التقنية - جامعة الخليج العربي