لإجابة السؤال أعلاه، يتوجب طرح سؤال بموازاته، وهو: هل نواجه حرباً على الهوية الوطنية؟!

الإجابة «نعم»، هويتنا الوطنية كانت ومازالت وستظل مهددة، وللتحديد هناك تهديدات كبيرة من الخارج، وبالأخص من قبل إيران التي تضع البحرين نصب عينها كهدف لابد من الاستحواذ عليه، ومن الداخل من خلال عمليات ممنهجة لسلخ المواطن البحريني عن إنتمائه لهذه الأرض.

وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة في حفل التدشين الرسمي للخطة الوطنية لتعزيز الانتماء وترسيخ قيم المواطنة بالأمس، قال بشكل مباشر إن «تعزيز الانتماء الوطني وترسيخ قيم المواطنة ليست مفاهيم وجدانية الشعور والمعنى، بل إنها الضمانة الأساسية لتحقيق الاستقرار الوطني».

هذا الاستقرار الذي يسعى كارهو البحرين إلى ضربه في مقتل، سواء أكانوا من جهات خارجية مازالت تستهدف بلادنا، أو من خلال جماعات متطرفة داخلية، أو عناصر بائعة للولاء تحولت لطوابير خامسة وسكاكين تضرب في الظهر، لأن الاستقرار الوطني هو الدعامة الأساسية لأي وطن حتى ينهض وينمو ويتطور.

هذه الخطة هدفها «المحافظة على القيم والعادات والتقاليد الأصيلة لأبناء البحرين، والتي تجسد أبهى صور التكاتف بين أبناء الوطن الواحد، والعمل بروح وطنية من أجل تنمية الجهود في الحفاظ على أمن الوطن».

حينما تدشن خطة بهذا المضمون، وبهذا الشكل، لابد وأن ندرك بأن هناك تهديدات عديدة، بعضها واضح وفاضح، وبعضها يخطط لها من تحت الأرض، وهدف هؤلاء هو «إضعاف» الارتباط بين المواطن وبلده، و»تسطيح» فكرة الولاء، وإبدالها بأمور أخرى، كلها ترتبط بمصلحة الفرد أو الجماعة السياسية، حتى لو كانت هذه المصالح على حساب ضرب الوطن بأكمله، وإضعافه وتقديمه لقمة سائغة للطامع، ولنا فيما حصل عام 2011 أبلغ مثال على ذلك، إذ أولم تلعب إيران على وتر التبعية السياسية المغذاة بالطائفية، ليسقط كثيرون في هذا الفخ، وليبيعوا الانتماء لهذه الأرض؟!

للأسف هذا حصل، وهي ليست عملية تحصل بمصادفات أو بسبب ظروف طارئة، بل هي منهجية استعمارية وعدائية استخدمت من قبل القوى التي تحاول تفكيك الدول الأخرى من الداخل، وقامت على هذه الأساليب عديد من القصص التي يحكيها التاريخ، إذ كيف سقطت حضارات ودول، فقط لأن الانتماء قتل وتم إضعافه، فقط لأن الولاء للثوابت الوطنية حل محله الولاء للمكسب الشخصي.

نحن في البحرين وأيضا دولنا الخليجية لدينا ميزة تختلف عن الدول الغربية، وهي لو نظرنا لها بواقعية لن تخرج عن كونها «نعمة» حقيقية، إذ حينما نحرص على تدريس أبنائنا في مناهجنا الدراسية مفاهيم الوطنية وتعزيز الانتماء والولاء للأرض والحاكم، فإننا نبني فيهم اللبنات الأولى لتشكيل مواطن صالح مرتبط بأرضه لا يبيعها ولا يساوم عليها، بل هو الحامي لها والمحافظ عليها.

في الغرب، المواطنة والانتماء في كثير من الدول تأتي في مراتب ثانوية، وقد تكون مغيبة، إذ هناك تتقدم مسألة المكاسب الشخصية تحت مسميات الحقوق، وتتقدم أهداف الحراك المجتمعي أو السياسي حتى على مسألة الانتماء للوطن ككيان، بالتالي الغرب يستغرب دائماً من الدول العربية بالأخص الخليجية بشأن الارتباط القوي بالدولة، حتى لو كان المجتمع يعاني من مشاكل متنوعة، سواء اجتماعية، اقتصادية وحتى سياسية، إلا أن إعلان الانتماء والولاء للأرض والقائد واضح وعالي الصوت، بالتالي فكرة المساومة على الكيان، وتحويل البلد إلى كومة دمار بغية إعادة تأسيسها من جديد، فكرة غير مقبولة لدينا البتة.

ورغم ذلك، أي بوجود الأرضية عبر امتلاك المخلصين من أبناء البحرين لنسب عالية وقد تكون مطلقة من الولاء والانتماء، إلا أننا علينا الدفع باتجاه تعزيز هذا الأمور، لأن الاستهدافات موجودة، لأن الشروخ التي تسببت بها المحاولات الآثمة مازال هناك من يحاول إعادة فتحها وتوسيعها، وأيضاً طغيان حراكنا الداخلي، وانشغالنا بقضايانا المتنوعة، قد يبعد فكر الناس عن أهمية تعزيز مسألة الانتماء والولاء، فالبعض بات بسبب وجود أخطاء ومشاكل وغيرها وكأنه ينسى أهمية الوطن كأساس، قد تلهيه هذه الأمور، قد يستاء منها، لكن عليه الحذر من ألا تجعل قلبه يقسو على الوطن.

الكيان هو الثابت، الوطن هو الراسخ، القائد هو الرمز الذي نتخندق معه، وكل الأمور الأخرى متغيرات.