سنعالج في عمودنا اليوم ظاهرة اجتماعية سلبية لطالما تناولناها بالنقاش على أمل أن نلمس مظاهر التغيير في المجتمع، وكم استصرخ الناصحون، وأشفق المشفقون من تبعات هذه الظاهرة وعواقبها. إنها ظاهرة الإسراف في تقديم الطعام في حفلات الزواج، ففي تلك المناسبات تمد الموائد التي تضم أنواعاً من الأطعمة، لتبدأ بالمقبلات، ثم بالأطباق الرئيسية، ثم بالحلويات بأصنافها، وما أن تمتلئ معدة الضيوف حتى يبدأ أصحاب الحفل في التفكير في كيفية التخلص من هذه الأطعمة الفائضة، فإن كان الاحتفال في منزل أو صالة احتفالات فالمشكلة أخف وطأة حيث يبدؤون بتوزيع تلك الأطعمة الفائضة والبحث عن من يستلمها بعد منتصف الليل، فحفلات الزواج تنتهي في وقت متأخر من الليل، وأما إن كان الاحتفال في أحد الفنادق، فالأمر محسوم حيث تجد تلك الأطعمة طريقها للقمامة مباشرة بعد نهاية الحفل، وفي ذلك تبذير!!!!! وما أبشعها من صفة فقد وصف الله تعالى المبذرين بصفة بشعة بأنهم إخوان للشياطين، حيث قال في كتابه العزيز في سورة الإسراء «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (، نعم إنه إسراف وتبذير في زمن الغلاء، في زمن بدأت الضرائب تقتطع شيئاً من دخل الأسرة، في زمن كثر فيه الجائعون في الوطن العربي بصورة خاصة وفي العالم بصورة عامة، في زمن أصبح الغذاء غاية ومطلباً للملايين من المشردين.

إن هذا النوع من موائد الضيافة المستحدث على مجتمعنا «البوفيه»، يكلف أصحاب الحفل المبالغ الطائلة حتى أن البعض يتردد في إقامة الحفل بسبب ارتفاع أسعار هذه الموائد، والواقع أن الضيوف لا يحتاجون هذه الكميات والأصناف من الأطعمة، فلا تقدم هذه الكميات والأنواع المختلفة من الأطعمة إلا للتباهي وبتعبير الوسط النسائي «للكشخة».

فدعونا نعيد النظر في عاداتنا، فلماذا لا نطرح البدائل العملية التي ترضي ضيوفنا، وتليق بكرم الضيافة بدون إسراف أو تبذير. فنحن نطمح للتغيير في سلوك اجتماعي يتعلق بكرم الضيافة في وسط السيدات بصورة خاصة، وما أدراك ما وسط السيدات، فلديهن معيار هام في زنة الأمور وهو معيار «كلام النساء وتعليقهن وانطباعاتهن وانتقاداتهن»، هذا المعيار يجعل أي مطالبة بالتغيير الاجتماعي أمراً في غاية الصعوبة، كالمطالبة بالتغيير في طريقة تقديم الضيافة، فالنساء يخشين انتقادات بعضهن لبعض، إلا أن المَخرج الوحيد لهذه المشكلة أن يبدأ التغيير في وسط السيدات الغنيات المترفات وسيدات المجتمع، على حد تعبير الوسط النسائي «الناس الكشخه» فإن بدأت هذه الطبقة بالتغيير فستتشجع جميع السيدات ويسرن على نهجهن، فتلك الفئة من السيدات هن الفئة المؤثرة في المجتمع وبهن يبدأ التغيير الاجتماعي.

سيداتي آنساتي المترفات.. ما رأيكن أن تجعلن الضيافة التي تقدم لضيوفكن عبارة عن علب أنيقة تحتوي على وجبة بها كمية مناسبة لملء معدة فرد واحد فقط بدون إسراف أو تبذير، وللضيفة أن تتناول وجبتها في الحفل أو أن تأخذها للمنزل، وبذلك نتجنب ذلك العبء الذي يلقى على كاهل أصحاب الحفل وهو توزيع الأطعمة الفائضة في نهاية الحفل والذي عادة ما يكون في وقت متأخر من الليل، أو مشكلة إلقاء تلك الموائد في القمامة.

سيداتي آنساتي المترفات.. أعلم أنكن ستترددن في قبول الفكرة والسبب أن تلك الطريقة في التضييف لا تعتبر راقية وبالتعبير الدارج «مو كشخة»، ولكن دعونا نطبق هذه الفكرة بطريقة مميزة و«كشخة» ما رأيكن في محاكاة طريقة طاقم الطائرة في توزيع الوجبات في الطائرات حيث تمر المضيفات بعربة مرتديات أزياء أنيقة، فتعرض المضيفة على الضيف قائمتين أو ثلاثة من الوجبات ليختار الضيف الوجبة التي يرغب فيها، وتقدم الوجبات في علب أنيقة، وبإمكاننا توزيع علب الأطعمة من مطاعم منزلية شبابية مشهورة ومرغوبه من الناس، تلك المطاعم التي تعلن عن نفسها بالانستغرام، وتقدم أطعمتها في علب أنيقة، وغالباً ما يكون أصحابها شباباً، وفي ذلك تشجيع للمنتجات البحرينية الشابة. أما إن كان الاحتفال في أحد الفنادق فنكتفي بتوزيع أطباق بها نوعان أو ثلاثة من الأطعمة تكفي لشخص واحد فقط، فبذلك يقل سعر الأطعمة مقابل رفع قيمة الخدمة، فمن المعروف أن الفنادق ترفع سعر الخدمة إذا لم يستخدم الزبون نظام «البوفيه».. وأختم حديثي بنداء للسيدات المترفات وسيدات المجتمع، إن التغيير الاجتماعي يبدأ بكن، فأنتن شخصيات مؤثرة في المجتمع فعليكن مواجهة الظواهر الاجتماعية السلبية والتصدي لتغييرها خاصة تلك التي تتعلق بالبذخ والتبذير.. ففيكن الرجاء.