استخدمت الرسائل منذ زمن طويل كوسيلة للتواصل بين الأشخاص والشعوب والحكام والدول، وكان الناس ينتظرون الرسائل قديماً عن طريق حمام الزاجل أو عن طريق الصيدلية المجاورة من المنزل أو دكان في وسط المدينة أو ساعي بريد يدخلها من تحت باب البيت لعدم تواجد أهل الدار.

يعد فن المراسلات من الفنون الأدبية القديمة التي انتشرت في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وهي الفترة الذهبية لها، فهي فن نثري يعتمد على موهبة الكاتب ومقدرته على قوة صياغة الأساليب البيانية. في العصر الجاهلي كان الاهتمام بالشعر والخطابة لعدم دخول القراءة والكتابة إليهم، ومع مجيء الإسلام وتعلّم القراءة والكتابة بلغة القرآن أصبح حينها العرب قادرين على كتابة الرسائل وإرسالها إلى ملوك الدول، زعماء المناطق، وشيوخ القبائل كما حدث مع قيصر ملك الروم وكسرى عظيم الفرس. وفِي عهد الإسلام تم إنشاء ديوان للرسائل بمثابة وزارة للإعلام ورئيس هذا الديوان هو الناطق باسم الحكومة، إلى جانب أن نظام ديوان الرسائل جاء بعد ذلك في العصر الأموي والعصر العباسي لنشر الخطابات الدينية والسيادية والسياسية.

إن الحضارات والعصور تأثرت بفن كتابة الرسائل بطرق النقش والرسم والرموز قبل الكتابة، ففي العصور القديمة استُخدمت النقوش الذهبية والفضية كوسيلة تواصل في القصور الملكية والمعابد كما هو في روما القديمة، وتم استخدام ألواح من البرونز لتسجيل المعلومات عليها بدلاً من الحجر، ثم تم استخدام ألواح خشبية مطلية باللون الأبيض مغطاة بأقراص من الشمع تكون بها ثقوب في الأطراف يطلق عليها قديماً مسمى المخطوطات، إلى أن جاء ورق البردي في حضارة مصر القديمة.

بات مفهوم كتابة الرسائل يرتبط ارتباطاً كبيراً بقصص الحب والغرام، فجميل أن يكون عشرون عاماً من العاطفة الورقية بين مي زيادة وجبران خليل جبران ليقول لها في أحد رسائله «أنا أعلم أن القليل في الحب لا يرضيك، كما أعلم أن القليل في الحب لا يرضيني، أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل نحن نريد الكمال.. الكثير، كل شيء لا تخافي الحب يا رفيقة قلبي، علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة ورغم ما فيه من الالتباس والحيرة».

ورسائل بتهوفن لمحبوبته المجهولة والتي كتبها بالقلم الرصاص، وما كتبه نابليون إلى جوزفين بخط يده وهي من أشهر رسائل العشق: «قريباً منك، هنا أعيش على ذكريات مداعبتك ودموعك ومواساتك الحنونة لي، فسحرك لا يقارن بأي شيء آخر، إنه يشعل النار في قلبي، أحبك كل يوم أكثر من ذي قبل» إلى جانب الرسائل الأدبية العديدة كما هو بين المعلّم وتلميذه مثال على ذلك الأستاذ مصطفى الرافعي وتلميذه محمود أبوريّة.

كانت الأوراق التي تكتب عليها الرسائل ذات مدلولات واهتمامات الكاتب ومشاعره تجاه من يكتب له، فلون الورق والعبارات التي تصاغ والرسومات التي يعبر عنها ورائحة الشوق في بعضها ليسكب الكاتب في ختامها القليل من العطر عَل وعسى أن تصل رائحة الحنين.. كل هذه الأمور ترجع إلى مشاعر جياشة وفرحة كبيرة حتى وإن وصلت الرسالة متأخرة بعد شهور وغياب طويل.

إن الرسالة المكتوبة بخط اليد تعطي مساحة جميلة للتعبير ووصف المشاعر لما لها من أثر على الجهاز العصبي بفرز هرمونات تخفف التوتر، فخط اليد حينها يعكس الحالة النفسية للشخص وهذا ما لا نجده في الرسائل الإلكترونية الحديثة.. فاليوم أصبحت الرسائل المكتوبة غير مهمة، فهي تكون جاهزة مكتوبة يتم فقط إعادة إرسالها بأسماء أخرى.

نعم إن التطور التكنولوجي قرّب المسافات واختصر الانتظار والقلق والخوف على الأحباب ولكن أخذ الكثير من الأحاسيس والأشياء الجميلة التي كانت موجودة في كتابة الرسالة، فالتكنولوجيا ساعدت على تسهيل الكثير من الأمور ولكن سلبت اللهفة والشوق الموجودة عبر حروف الرسائل، ومسافات الانتظار التي يتجرعها العاشق صبراً.. أشياء باتت من عبق الماضي نحنُّ لها اليوم نحن للزاجِل الذي هاجر فرحل معه كل جميل.