قبل كتابة هذا المقال ترددت كثيراً جداً لعدم درايتي الوافية عن ما يدور بداخل تركيا وما هي إلا أيام حتى قررت عائلتي الكريمة قضاء الإجازة في إسطنبول، ووجدتها فرصة مناسبة للإجابة على العديد من الاستفسارات التي دوماً لا أجد لها إجابة مقنعة في الأبحاث والمراجع، ولعل أبرزها، هل تركيا دولة إسلامية أم علمانية؟!

في بادئ الأمر أنا لن أتحدث بشكل منهجي أو علمي، سأجيب عن هذا السؤال بطريقة امبريقية «تجريبية»، فبالأمس غادرت مطار إسطنبول الجديد الذي أبدع المصممون في بنائه ولكن لم يبدعوا في تسهيل إجراءاته على المسافرين، وسأدخل بصلب الموضوع، وما لاحظته في تخصصي في التغطية الإعلامية أن الإعلام التركي يرى أن تركيا هي مدينة الإسلام وشعارات لا تنتهي بهذا الصدد ولا يمكن إغفالها في الاهتمام بالمساجد والمواقع والمتاحف الأثرية، غير أن الواقع فيه لبس بعض الشيء، وسأدخل بالتفصيل أن ما لاحظته أن تركيا دولة علمانية بامتياز من جانب، كأي دولة أوروبية وإسلامية بحرفية من جانب آخر.

سأفصل أكثر، فالصحف التركية تضع ضمن الصفحات الأولى في جرائدها أخبار الفنانين والموسيقى كأولوية أساسية في الصفحات الأولى ونادراً ما تجد خبراً يتعلق بأمور المسلمين، وهذا جانب مهم فالصحافة تعكس زاوية مهمة في النظام السياسي والمجتمع، كما أن هناك نقطة محورية أن بيع المسكرات متاح بالسوبر ماركت ولا يوجد أي تقنين لذلك.

أما بخصوص الشعب التركي، فهو منفتح بشكل كبير، فمنهم من يلتزم بالتشريعات الإسلامية ومنهم من يميل إلى الليبرالية المتحضرة، وقد لمست بأن تعاملهم متفاوت بين الحدة مع العرب المسلمين وما بين الرحابة، وقد سألت أحد العاملين العرب عن ذلك، وأجاب بكل صراحة بأنهم ينظرون بأنهم هم الأصل في الدولة العثمانية وعليك تكملة باقي الحكاية؟!

وللأمانة مازلت أبحث أكثر في رحلتي لإسطنبول هل أنا حالياً في دولة إسلامية أم علمانية؟ غير أن المراجع التي تتحدث عن تركيا عاصمة المسلمين وتمجد في هذا الأمر مختلفة تماماً عن الواقع، هناك دولة علمانية تدار بطريقة عجيبة، فالدولة لا تمنع المسكرات وبيعها علناً بالمتاجر كما أنها تحافظ على القيم الإسلامية في مساجدها ومناطقها الأثرية.

وهذا الشيء يدفعنا لطرح تساؤل آخر، هل تتعمد تركيا تسويق تراثها الإسلامي بشكل لافت في سياستها الخارجية من جانب وبالداخل التركي نرى أن العلمانية هي أساس النظام، عكس ما يتم التسويق له، حقيقة تحتاج للبحث بشكل أعمق، فالأبحاث التاريخية والقانونية لا تنفع في الإجابة عن هذا التساؤل، وأن الأبحاث الامبريقية المبنية على أدوات الملاحظة ستكون كفيلة بالإجابة على ذلك، كما يتضح أن مساعي أنقرة لتكون ضمن الاتحاد الأوروبي قد تبددت بشكل نهائي، وخير دليل على ذلك هبوط الليرة التركية، وعلى ما يبدو أن تركيا بدأت تنظر بأن مستقبلها في توطيد العلاقات أكثر بدول الخليج العربي فحجم التبادلات التجارية ومعدلات السياحة والاستثمارات الخليجية ليست بالهينة.

في ختام القول، تركيا تعتبر امتداداً مهماً من جهة الغرب لدول الخليج العربي في حال دعمها لمساعي استقرار الشرق الأوسط، وأن نظامها سواء كان إسلامياً أو علمانياً نحن لا نتدخل فيه، غير أن المزاجية بذلك قد تؤثر في مستقبل العلاقات بين تركيا ودول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.