هذه جملة وقفت عندها كثيراً، لأن واقع الحال لدينا اليوم لا يقدم لك الحقيقة المجردة، بل «التضليل» بات سمة متأصلة في مجتمعنا، وهنا أقصد التضليل المتعمد للناس ومن قبل الناس أنفسهم، عبر تجميل الواقع، ومحاولة إخفاء ما يجب الكشف عنه من أخطاء وكوارث، ينبغي التعامل معها بوضوح وشفافية، إن كنا نريد إصلاح الخلل.

اليوم لو بحثتم في التصريحات الرسمية لكثير من المسؤولين في الدولة، ستجدون المثاليات والإيجابيات والوعود وكل شيء جميل يتم تقديمه، وهنا القاعدة الإعلامية تقول بأنه لا يتم نشر إلا الجانب الذي يراد للناس أن تراه، وغالباً ما يكون جانباً مثالياً إيجابياً، أو غلافاً جميلاً محتواه مخالف تماماً ومعاكس لما يتم إظهاره.

حتى على صعيد ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي، الناس أنفسهم، كثير منهم يقدم لك النصائح، ويتخصص يومياً في نشر الأقوال المأثورة، والأقوال الإيجابية، ويدعوك لتطبيق نظريات ومثاليات في حياتك، رغم أنك لو بحثت في نمط الشخص الناصح قد تجد التناقضات الصارخة، والسبب بسيط جداً، إذ الكلام مجاني، والتنظير بات سمة العصر.

لكن الحديث هنا يجرنا عن جدلية «الحقيقة والوهم» فيما يقدم ويعرض على المجتمع، عبر مختلف وسائل التواصل أو الإعلام والنشر، إذ اللغة الغالبة هي المتمثلة بـ»الإصلاح» والدعوة إليه، وكثير من المسؤولين حينما يخرج ويصرح يقرن كل ما يقوله بعملية الإصلاح، حتى لو كانت الملاحظات على عمله وعلى قطاعه تملأ صفحات طويلة من تقارير ديوان الرقابة المالية.

الكل يتحدث عن الإصلاح، والكل مصلح في هذا البلد، والكل يقدم لك المثاليات، ويحاول أن يدرسها لك، والكل يقول لك ماذا تفعل وماذا تتجنب حتى تكون سائرا على المسارات المثالية.

هنا السؤال المحير: إذ لو كان الجميع مصلحون، فأين الفاسدون؟! هل يعقل بأننا كبلد نخلو من أشخاص يمارسون الفساد؟! أين الفساد إذن الذي نتحدث عنه؟! وهل ما تنشره تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية حقيقة أم خيالات؟!

طبعاً الرد المجتمعي معروف، وكذلك الرسمي المرتبط بعمل ديوان الرقابة المالية والإدارية، والسبب الذي أنشئ من أجله الخط الساخن «نزاهة» والذي يدعو المواطن للتواصل مع الجهات المعنية في وزارة الداخلية للتبليغ عن حالات الفساد. بالتالي نعم هناك حالات فساد متباينة، بين فساد مالي وإداري، وهناك مفسدون، وعليه الاستغراب هنا، لماذا يهيأ ويتخيل لك بأنك تعيش في مجتمع جميع من فيه مصلحون، عطفاً على ما يصرحون به وما ينشرونه وما يتناقلونه؟!

حينما يسود التنظير، فاعلم بأننا نعيش في مجتمع تسوده «التمنيات»، لأننا نقدم ما نحلم أن نصل إليه، والسبب يعود لأننا نفتقد التطبيق على أرض الواقع لما نحلم به.

هذا حال كثير من البشر الطبيعيين فيما ينشرونه، أحلام وتمنيات ورغبة في الوصول لوضع أفضل ومجتمع مثالي، لكن الكارثة والمصيبة والطامة حينما تصدر هذه المثاليات عن الإصلاح من أشخاص فاسدين، حينما يحاولون أن يصوروا لك الواقع مختلفاً جداً، وأنه مثالي وبديع، بينما هم أحد أسباب خراب المجتمع، وهم سبب عرقلة عجلة الإصلاح فيه.