بحت الأصوات وجفت الحناجر والأقلام ونحن نكتب في كل مرة عما يخلفه هطل بسيط من المطر على قطاع واسع من المواطنين وحتى المقيمين، فإلى متى ستظل الأمطار التي ما يبعثها الله جل وعلا إلا رحمة للبلاد والعباد «فزاعة» ومنبع خوف وضرر بالنسبة للكثيرين هنا.

فجر السبت الماضي استيقظت البحرين على بشائر خير ورحمة من غيث الله الذي انهطل عليها ليروي ظمأها بعد غياب، إلا أن هذه الأمطار سرعان ما تحولت إلى «نقمة» عندما غرقت أجزاء واسعة من البلاد في مستنقعات المياه التي تفضح – في كل هطل مطري – سوء البنية التحتية.. حتى في بعض المناطق الجديدة أو المطورة حديثاً!!

فناهيكم عن علامات الاستفهام الكبيرة التي تحيط غرق بعض المنازل في مشروعات إسكانية جديدة تسلمها أصحابها بعد عناء انتظار سنوات طويلة ومريرة، لتأتي تسربات مياه الأمطار على أثاثها وأجهزتهم الكهربائية التي دفعوا فيها «تحويشة العمر»، كما في إسكان الحد والقلعة واللوزي وغيرها، فإن الأضرار طالت أيضاً شوارع وطرقات لم تفتتح بعد – كما هو الحال في شارع ألبا – أو تلك التي لم يمضِ وقت طويل على إنشائها أو تطويرها وصيانتها الأمر الذي تسبب في إرباك حركة السير وتعطيل المرور.

وإذا كان هذا هو الحال بالنسبة للبيوت الجديدة، فإن الوضع في البيوت القديمة حدث ولا حرج! فمن منا لم يعتصر قلبه ألماً عند مشاهدة عشرات المقاطع المصورة لمنازل متهالكة لأسر متعففة أتى المطر على أسقفها أو بنائها وأثاثها وما تحتويه من أجهزة ومواد غذائية؟!

أما المشهد الأبرز الذي استحوذ على الاهتمام في الهطل المطري الأخير، فكان نفق بوري – عالي الذي امتلئ بالمياه عن بكرة أبيه وكادت روح إنسان أن تزهق غرقاً فيه لولا لطف الله ورحمته الأمر الذي اضطر إلى إغلاقه أمام الحركة المرورية لمدة يوم كامل.

وعلى الرغم من أن هذا المشهد بات مألوفاً بسبب تكراره، إلا أنه كان مدعاة لسخرية واستهجان الكثيرين، فهذا النفق هو أول نفق أنشئ في مملكة البحرين غير أنه وبعد سنوات طوال على إنشائه لايزال يعاني من المشكلات ذاتها.. الضيق، كثرة الازدحامات والحوادث، سوء – أو تهالك – البنية التحتية وعدم وجود شبكة صرف لمياه الأمطار لذلك فهو يمتلئ بالمياه سنويا دائما في موسم الأمطار.

هذا النفق الذي بات البعض يشبهه بـ «حفرة» بسبب تكرار الحوادث فيه منذ إنشاءه أوائل تسعينيات القرن الماضي، يعتبر من أوائل الأنفاق التي أنشأت في البحرين وهو يشكل حلقة الوصل بين القريتين وبين المحافظتين الجنوبية والشمالية – ولي عن ذلك عودة في مقال قادم بإذن الله.

لقد قلتها في مقال سابق.. وأعيدها وأكررها هنا للأهمية: نحن لا نحتاج إلى خطط كوارث أو طوارئ أو أزمات لمواجهة موسم متوقع يتكرر كل عام، بقدر ما نحتاج إلى تخطيط سليم ومشاريع إنشائية وتحسينية ذات جودة عالية والإسراع في إنجاز وصيانة شبكات صرف مياه الأمطار في مختلف مناطق البلاد، حتى لا نغرق كل مرة في «ربع شبر ماء»..!

فالأمر قد يكون مبرراً – وليس مقبولاً – في المناطق القديمة التي يمكن أن نركن تضررها إلى سوء تخطيطها أو تهالك بنيتها التحتية بفعل عوامل الزمان، ولكن ما العذر الذي يمكن التذرع به بالنسبة للمشروعات الجديدة؟؟

والسؤال الذي بات يشغل بال كل مواطن ومقيم هو: إلى متى؟؟ إلى متى سيظل المواطن يدفع ثمن إهمال وتقصير - أو فلنقل خطأ في جدولة الأولويات - لمشاريع الوزارات الخدمية المعنية؟ إلى متى سيتحمل المواطن فاتورة «العشوائية» في تخطيط مشاريع البنية التحتية؟؟

نعم.. «عشوائية» في تخطيط المشاريع، وإلا فما تفسير استمرار العمل في مشروع صيانة شوارع لسنوات ثم يفاجئ مستخدموها بتحولها إلى برك ومستنقعات حال هطول ولو كمية قليلة من الأمطار؟ لماذا لا يتم الاقتداء في هذا الصدد بتجربة مدينة العوالي التي بنيت من قبل شركة نفط البحرين «بابكو» منذ عام 1934 ولاتزال تحتفظ بمتانة بنيتها التحتية؟

ففي كل مرة تعلن وزارة الأشغال جاهزيتها لاستقبال موسم الأمطار، يؤكد الواقع خلاف ذلك ويتم الاستعانة بالصهاريج لشفط الأمطار.. والسؤال هنا: كم تبلغ كلفة تلك الصهاريج سنوياً، والتي من البديهي أن ترتفع كلفتها وقت الأزمة ما يستنفد موازنات طائلة كان من الأولى توجيهها إلى إنشاء شبكات صرف دائمة؟

* سانحة:

لماذا يفتح الشارع ثم يسفلت دون استكمال شبكات البنية التحتية المطلوبة من كهرباء وماء وصرف صحي وصرف مياه الأمطار، ليعاد فتحه من جديد مرات ومرات دون جدوى، ما يستنزف موازنات طائلة من الأولى توجيهها إلى مشروعات تنموية أخرى؟ إلى متى تستنفد الموازنات في مشاريع تفتقد إلى التخطيط السليم والتعاون والتكامل بين الوزارات الخدمية؟