خلال الندوة الحوارية التي أقامها مركز البحرين للدارسات الاستراتيجية والدولية والطاقة الإثنين الماضي بمقره في عوالي تحت عنوان «القدس: الحق والحقيقة توثيقاً لمعالمه» نجح الخبير المقدسي خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية في جمعية الدراسات العربية عن المخططات الإسرائيلية لتهويد القدس، في إحضار القدس، بتاريخها وأهلها ورائحة الزعتر التي تفوح من بيوتها إلى القاعة التي امتلأت بالباحثين والإعلاميين والمهتمين بالقضية الفلسطينية، وشرح أحوال هذه المدينة التي تعرضت على مدى قرن كامل للعبث الصهيوني ولعملية تشويه كبيرة وظلم لا يقارن.

التفكجي قال في محاضرته القيمة والتي حرص على ألا تكون عاطفية وإنما علمية إن ما يجري في القدس هو عملية اقتلاع للجذور، اقتلاع الجذر العربي الإسلامي وإحلال لجذور أخرى من المحتل، وأن الاستراتيجية الإسرائيلية قامت على تغيير جغرافيا القدس وتحولت إلى تغيير ديمغرافية المدينة، منبهاً إلى أن القدس ليست حجراً فقط ولكنها حجر وبشر وتاريخ وحضارة ومهد الديانات.

التفكجي وفر الكثير من المعلومات عن القدس وشرح كيف أن إسرائيل عمدت إلى السيطرة على هذه المدينة منذ العام 1860 بإيجاد أولى مستعمراتها فيها ثم بإنشاء الجامعة العبرية في 1925 لافتاً إلى أن عملية إقامة دولة لإسرائيل بدأت قبل 1948 حيث كانوا يهيئون لها من خلال إنشاء المؤسسات الدينية والثقافية والبنوك، وإلى أن الأدبيات الإسرائيلية تقوم على أن القدس لم تكن ذات أغلبية عربية وإنما أغلبية يهودية، وإلى أن إسرائيل نفذت خطة محكمة ليصل الوضع في القدس الشرقية إلى ما هو عليه اليوم حيث تسيطر على 87% منها.

تفاصيل كثيرة وفرها الخبير المقدسي في محاضرته المهمة وأكد فيها على أمور عديدة أبرزها أن «القدس ليست للبيع» وأنه لا يمكن بعاصمة فلسطينية في أي بقعة من القدس من دون «البلدة القديمة» وأن زيارة البلدة القديمة في القدس ليست تطبيعاً لأنها ملك العالم العربي والإسلامي، قائلاً «إننا نبحث عن دعم حقيقي لأهالي القدس الذين يناضلون في وجه الاحتلال».

خليل التفكجي دعا بقوة إلى تثبيت وجود الفلسطيني المقدسي في مدينة القدس بتمكينه، وإلى دعم التعليم بعد أن قامت إسرائيل باستهداف التعليم الفلسطيني، مؤكداً أن الفلسطينيين لا يمكن رغم كل شيء أن ييأسوا وأن الشعب الفلسطيني مستمر في مواجهة التحديات.

التفكجي اهتم أيضاً بالتأكيد على «أننا لسنا ضد اليهود» وبرفض الروايات الدينية التي ترددها إسرائيل وتستغلها سياسياً ومثالها السعي إلى إقامة كنيس عند باب الرحمة داخل المسجد الأقصى بدعوى استقبال المسيح المنتظر، محذراً من تحويل الصراع مع الاحتلال إلى صراع ديني.

مهم في هذا السياق الإشارة إلى جانب من تعقيب الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» وكيل وزارة الخارجية للشؤون الدولية، حيث أكد على أن القضية الفلسطينية وقضية القدس كانت وستظل القضية الأولى للبحرين والعرب وأن مملكة البحرين تحرص على تقديم كل الدعم للقضية حتى تظل باقية في الوجدان، مبيناً أن وزارة الخارجية تستلهم الرؤية من حكمة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، الذي يؤكد دائماً على أهمية ومحورية وجوهرية قضية القدس.

هذه القضية وهذه المدينة الرمز ستظل في الوجدان دائماً والأكيد أنها لن تتأخر عن العودة إلى أهلها الذين صمدوا في وجه الاحتلال بقوة ولا يزالون، ووفروا المثال تلو المثال على أنها لا يمكن أن تضيع طالما كان وراءها مقاتل، وطالما حصل أهلها على ما يعينهم على الصمود والمواجهة وتمكنوا من التعليم الذي هو اليوم واحد من أهم أسلحتهم.