نشر نجم موقع يوتيوب لوغان بول الذي يملك أكثر من 17 مليون مشترك في قناته على يوتيوب، مؤخراً مقطع فيديو لرجل ينتحر في إحدى غابات اليابان ورغم مأساة المقطع إلا أنه قد حصل على 600 ألف إعجاب قبل أن يتم إزالته من إدارة يوتيوب.

600 ألف إعجاب، كم من بينهم طفل ومراهق شاهد هذا المشهد المروع، والأمر بالنسبة له قد يكون اعتياداً وممتعاً كونه اعتاد مشاهدة مثل هذه المقاطع المأساوية؟

تشير الإحصائيات إلى أن عدد حالات الأطفال والمراهقين الذين يعانون من أمراض عقلية ونفسية ازداد بشكل مروع وقد ارتفعت معدلات الانتحار والاكتئاب بشكل كبير منذ عام 2011، حيث يعاني واحد من أصل 8 أطفال من مشاكل عقلية في مرحلة معينة من حياتهم.

كان هذا جزء من إجابتنا استناداً لعدد من الدراسات والإحصائيات للسؤال الموجه لنا ضمن ندوة أطفالنا في المدارس بين النجاح والضياع «ناقوس خطر» الذي نظمه مجلس «خوات دنيا» للتنمية المجتمعية مشكوراً، وتناولت الندوة عدداً من المحاور منها الجانب النفسي والجانب القانوني والجانب الديني والجانب التربوي والجانب الإعلامي، حيث كان السؤال بشأن ما هو تأثير الإعلام على سلوكيات الأطفال؟ وكيف يمكن الحد من التأثيرات السلبية في ظل تكنولوجيا المعلومات والتي أصبحت وسيلة لإلهاء الطفل والبعد عن إزعاجه المنزلي؟ وقد شددنا بأهمية متابعة المحتوى الإلكتروني الذي يطالعه الأبناء والمراهقين أمام موجات العولمة الثقافية والغزو الفكري الذي تعرضت له مجتمعاتنا.

فتبعاً لدراسة أجراها مركز HYPERLINK «http://www.pewresearch.org/» «_blank» Pew عام 2016 يستخدم 94% من المراهقين الإنترنت عبر هواتفهم المحمولة يومياً و71% منهم يملكون حسابات على أكثر من موقع من مواقع التواصل الاجتماعي، ومع أكثر من مليار مشاهدة على موقع يوتيوب يومياً ستتخطى ولأول مرة في التاريخ أرقام عدد مشاهدات موقع يوتيوب مشاهدة التلفزيون. وتبعاً لاستطلاع آخر أجراه موقع Variety عام 2014 يملك مشاهير موقع يوتيوب شهرة أكبر من أشهر النجوم المعروفين عالمياً بالنسبة لمراهقي أمريكا.

وكل تلك المعطيات دفعتنا إلى اقتراح أن تخرج مبادرة «التربية الإلكترونية»، وأن تتولى الجهات المعنية بالدولة بالتعاون مع المراكز والجمعيات ذات الاختصاص إطلاقها بشكل مستعجل اليوم أمام ما نراه من غزو ثقافي وعولمة أخذت تهز وتؤثر على القيم والأخلاق و»السنع» والتربية وأخذت تبدل المواقع، فبعد أن كان أولياء الأمور هم المرشدون والموجهون أصبح الجيل الناشئ هو من يوجه بل ويعلم أبويه كيفية استخدام هذه المواقع والتعامل معها، وتلك مأساة تحتاج لتدارك سريع، من خلال تعليم أولياء الأمور، ضمن برامج قيمة ومفيدة، كيفية التعامل مع هذه المواقع وفهم خصائصها وطرق استخدامها، حتى يدركوا كيفية استخدام أبنائهم لها، فمواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام هي المربي اليوم، وتلك حقيقة لا يمكن إنكارها، كما أنها من تحمل نماذج القدوة لهم -للأسف- من خلال المشاهير الذين يتابعونهم، وقد يكون كثير منهم بعيداً عن تمثيل مجتمعه ويمارس سلوكيات خاطئة ويوجههم إلى الاهتمام بأمور ثانوية في الحياة «ترسيخ السخافة والتفاهة والشخصية السطحية التي تهتم بالماديات والشكليات»، كما اقترحت الزميلة سماح علام إنشاء مجلس أعلى للتربية يختص بأمور تربية الجيل الحالي والناشئ أمام التهديدات والكوارث الأخلاقية التي بتنا نراها اليوم.

فكرة مبادرة التربية الإلكترونية تقوم على توجيه الشباب والمراهقين القابعين على مواقع التواصل الاجتماعي في كيفية الاستغلال الأمثل لهذه المواقع وتوجيه نشاطاتهم واهتماماتهم نحو خدمة أنفسهم ومستقبلهم، وكذلك مجتمعاتهم وأوطانهم وتوعيتهم نحو الظواهر والسلوكيات الأخلاقية الخاطئة، والتمييز ما بين المحتويات الهادفة والمحتويات الواجب تجنبها، والأهم أن يكونوا خير سفراء لدولهم أمام العالم أجمع في كيفية التواصل والتحاور والنقاش بأسلوب مفيد وحوار بناء ونقاش راقٍ محترم بعيداً عن الإسفاف والتجاذبات المشينة التي تصل إلى حد التطاول والقذف والشتم والتشهير ونشر الشائعات والمعلومات المضللة، وكيف أكون شخصاً قيادياً فاعلاً في هذا الفضاء الرحب بدلاً من أكون تابعاً سهل الاختراق والتأثر من قبل أي حملات أو جهات أو محتويات لا تتناسب مع قيم وعادات وتقاليد المجتمع وتتقاطع مع أعرافه ومبادئه، بل وقد تصل في أحيان كثيرة إلى تجاوز الخطوط الحمراء وممارسة الظواهر الأخلاقية الكارثية وتهديد السلم الأهلي والأمن المجتمعي.

فالمشكلة التي نجدها أنه هناك غياب للنصيحة والتربية والتوجيه رغم جلوس الطفل أو المراهق على هذه المواقع ليل نهار ولمدة تتجاوز الست ساعات يومياً، كما المشكلة الأخرى التي نلمحها عند بعض أولياء الأمور جهلهم التام باستخدام هذه المواقع وترك أطفالهم ومراهقيهم على هذه المواقع دون متابعة ودون مشاركتهم اهتماماتهم ودون تشجيعهم عند نشر كتابات هادفة أو محتويات ممتازة تعزز القيم والأخلاق، فلو قام كل ولي أمر بمتابعة نشاط ابنه الإلكتروني وإرشاده وتوجيهه والتفاعل مع المحتوى الذي يعرضه وتشجيعه على نشر محتويات هادفة، لما وجدنا هذا الكم الكبير من السباب والشتائم والحسابات التي تحوي وتنشر محتويات غير لائقة وسطحية وتافهة، وكما قال المذيع عماد عبدالله خلال مشاركته بالندوة «إن كنت تريد أن تعرف ابنك متربي أو لا وإن كنت نجحت في تربيته فعلاً أو لا ادخل على حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي وانظر إلى كتاباته وأنشطته ومن يتابع!!».

* إحساس عابر:

الدراسات تكشف أن أكثر المواقع استخداماً عالمياً هو موقع «اليوتيوب» و»الفيسبوك»، حيث يقدر عدد مستخدمي «اليوتيوب» بأكثر من مليار مستخدم، في حين «الفيسبوك» يصل عدد مستخدميه إلى 1.5 مليار مستخدم، نحتاج لمبادرة رسمية ومجتمعية تركز على إنتاج محتويات هادفة ومفيدة على موقع التواصل الاجتماعي «اليوتيوب» فهو الموقع الأكثر متابعة حتى من قبل الأطفال في عمر السنتين والثلاث سنوات وتشجيع «اليوتيوبر» الخليجيين والعرب على الاهتمام بنشر المحتويات التي تتماشى مع مبادئ وقيم المجتمع وجعلهم قادة مؤثرين للشباب من خلال استقطابهم ضمن هذه المبادرة.