نواصل في الجزء السابع من المقال التعليق على كتاب «الإخوان المسلمون والغرب: تاريخ من العداوة والتعامل»، للكاتب والأكاديمي البريطاني الدكتور مارتن فرمبتون.

ملاحظات ختامية: من الاطلاع على هذا الكتاب القيم والذي تناول بالتفصيل علاقة الإخوان المسلمين مع الدول الغربية مع التركيز على علاقاتهم مع بريطانيا والولايات المتحدة باعتبارهما القوتين اللتين تناوبتا السيطرة على منطقة الشرق الأوسط.

ونشير في هذا الصدد للملاحظات التالية:

الأولى: إن الكاتب قدم سرداً تفصيلياً لعلاقة الإخوان منذ نشأتهم بالدول الغربية، وهي علاقة اتسمت بالمراوحة ما بين المد والجزر وفقاً لتطورات الأوضاع في المنطقة. وفي ختام الكتاب يؤكد الباحث على نظرة الغرب للإخوان المسلمين باعتبار أن في يدهم مفتاح المستقبل، وأنهم يعتبرون من أفضل البدائل للنظم السياسية في المنطقة، وهذا ما دفع الغرب عبر الباحثين الأكاديميين والخبراء وصناع القرار للاهتمام بالإخوان ودورهم في أوقات الأزمات الصعبة، ونسوق مثالين على ذلك؛ علاقة الإخوان مع الغرب قبل ثورة 1952 وبعدها والاعتماد عليهم لدعم مكانتهم.

الثانية: موقف الإخوان من الولايات المتحدة، خاصة في أحداث ثورة 25 يناير 2011، وفي كلتا الحالتين سعى الإخوان للتأثير على الأحداث والسيطرة على القوات المسلحة، واتفقوا في ذلك لعقد نظرهم ولفكرهم الماضوي وانخداعهم بتأييد الغرب لهم والتواصل معهم منذ النشأة وحتى الآن، وخاصة أثناء ثورة 25 يناير 2011.

الثالثة: إن من يساير الغرب فقط دون دراسة لأهدافهم ودون الأخذ في الاعتبار طبيعة المجتمع المصري وتاريخه والهوية المصرية، سوف يعيش بلا هدف ولن يحقق أهدافه التي يصفها الغرب بالبراغماتية في المواقف العديدة، وباختصار يكاد يقول بعدم الثبات والإصرار على مبادئهم، وأن هدفهم الوصول للسلطة بأية وسيلة.

الرابعة: تناول المؤلف في معظم الفصول تفاصيل علاقة الإخوان مع الغرب وعلاقتهم مع الضباط الأحرار ومحاولة السيطرة على نظام الثورة، ولكن القرار، وخاصة جمال عبدالناصر الذي حسم الخلاف مع الرئيس محمد نجيب، استطاع أن يحسم الأمور مع الإخوان أكثر من مرة.

الخامسة: إن الرئيس السادات أفسح المجال للإخوان للعودة للساحة السياسية، ولكن القوات المسلحة كانت على يقظة وتعاملت معهم بحكمة وحزم لإيمانها بالمبدأ الوطني والهوية الوطنية، ولم يدرك الإخوان مكانة ورد القوات المسلحة المصرية التي هي أساس بناء الدولة منذ عهد الفراعنة.

السادسة: ركز المؤلف في الفصل السابع على صعود الأصوليين من 1970-1989 وتحالف السادات مع الإخوان بعد وفاة عبدالناصر، والذين اعتبروا أن أكبر فضيحة لسياساته هي حرب 1967 حيث عانت مصر من أكبر هزيمة، وفسر الإخوان ذلك بسبب الديكتاتورية «326 ص». وسعى الإخوان والسادات لإضعاف نفوذ اليسار، وروج التلمساني بأن عبدالناصر خلص مصر من الاحتلال الانجليزي وقسمها بين احتلال روسي سوفيتي من خلال وجود مستشارين لإعادة تدريب الجيش وبنائه بعد هزيمة، والنصف الآخر الاحتلال الإسرائيلي المدعوم من أمريكا، ورحب الإخوان بطرد السادات للسوفيت في يوليو 1972 ودعموا حرب أكتوبر لمواجهة إسرائيل، وسمح السادات بصدور صحف للإخوان منها جريدة الدعوة عام 1976، وانضمت الجماعة الإسلامية للإخوان وتحولت للتطرف، خاصة من لم ينضم منهم للإخوان الذين بدورهم عززوا نشاطهم السياسي والاجتماعي في تلك الفترة، وأبلغ السادات البريطانيين بأنه يتحالف مع الإخوان لمصلحة الوطن وللحد من نفوذ الناصريين والشيوعيين، ولكن أدى ذلك لصعود المتشددين الإسلاميين مثل الإخوان في الخمسينات والستينات، ونشر حسن الهضيبي كتابه «دعاة لا قضاة» للرد على تشدد أنصار سيد قطب وكتابه «جاهلية القرن العشرين»، ومن ناحية أخرى عارض عمر التلمساني استخدام العنف ضد حكومات مسلمة. وفي عام 1976-1977 ظهرت جماعة التكفير والهجرة بقيادة شكري مصطفى الإخواني الذي اعتنق أفكار سيد قطب، واغتالت المجموعة وزير الأوقاف الشيخ محمود الذهبي بتهمة أنه ضد الدين، ثم جاء اغتيال السادات بعد أن سيطر المتطرفون على الجماعات الإسلامية ودعوتهم للجهاد والتكفير. ومن الجدير بالذكر أن مؤلف الكتاب وضع عنوان هذا الباب باسم «العصر الأمريكي»، وشمل الفصول 5، و6، و7، أي عصر عبدالناصر وثورة 1952 حتى وفاة عبدالناصر، وتناول فيه علاقة الإخوان بالثورة، ثم صراعهم مع عبدالناصر، وظهور المفكر الأيديولوجي الثاني للجماعة سيد قطب بعد اغتيال حسن البنا، وخصص المؤلف جزءاً مهماً من هذا الفصل بعنوان فرعي «الإخوان بين الشرق والغرب» ثم مرحلة المراجعة الإسلامية في نفس الوقت الذي جرى إحياء الدولة، وهذا عنوان الفصل السابع. ويذهب المؤلف «ص 346»، إلى أن اغتيال السادات أدى لزيادة اهتمام وتركيز أمريكا على مصر. في الوقت ذاته، حرص حكم مبارك على التصالح مع العرب وعدم مواجهة صعود الإسلاميين ومعارضة الفساد والتغريب والحفاظ على مسافة من أمريكا وإسرائيل «الفقرة الأخيرة من الصفحة»، وقد اهتم الإخوان بما يسمي ديمقراطية السادات وانفتاحه، فدخلوا البرلمان وتواصلوا مع الولايات المتحدة عبر دبلوماسييها في القاهرة «ص 351»، ولعب عمر التلمساني دوراً مهماً في هذه الاتصالات التي لم تتوقف بعد وفاته في مايو 1986 «ص 151 الفقرة الأخيرة».

وللحديث بقية.