بنا - تؤكد زيارة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى لليابان، أهمية العلاقات بين البحرين واليابان، وتعزيز السبل الكفيلة بتطويرها إلى آفاق أكثر رحابة وبما يخدم آمال الشعبين البحريني والياباني في مستقبل أكثر إشراقاً وازدهاراً. وتقدم العلاقات البحرينية - اليابانية نموذجا لما يجب أن يسود بين الدول من علاقات، ويرجع ذلك للعديد من الأسباب أهمها: أنها تحظى برعاية سامية من قبل قيادات البلدين الذين لم يدخروا جهداً في توفير الدعم اللازم لتنميتها وتطويرها لتشمل كافة المجالات، وأنها ليست وليدة ظرف أو حدث معين أو ربما مرحلة زمنية قريبة شأن الكثير من التفاعلات الدولية اليوم، وإنما تعود بتاريخها إلى عقود سابقة وتضرب بجذورها في أعماق التاريخ الحديث والمعاصر للدولتين. وإذا ما أُضيف إلى ذلك كون هذه العلاقات تستند إلى قاعدة راسخة من التفاهمات التي تشمل العديد من نقاط التفاعل الاستراتيجي المشترك، وأنها لا تقتصر على هذا البعد أو ذاك من أبعاد العلاقات بين الدول التي تركز في الغالب إما على الجانب السياسي أو الاقتصادي فحسب. إذا ما أُضيف إلى هذا الطابع الشمولي للعلاقات البحرينية - اليابانية، فإنه من الطبيعي أن يرتفع سقف الطموحات لأي تطور أو مستجد يمكن أن يلحق بهذه العلاقات في تاريخها الممتد. وواقع الأمر أن الزيارة المرتقبة تقدم فرصاً واسعة يمكن للبلدين الاستفادة منها والاستناد إليها في خططهما وبرامجهما في مجال التنمية المستدامة التي بلغا فيها شأناً عظيماً، وحققا في إطارها مستويات عالية تشهد لها التقارير الدولية المتخصصة، ولا أدل على ذلك من الخبرات والتجارب التي يمكن أن يجنيها البلدان من وراء علاقاتهما، فالبحرين من ناحيتها بوابة الخليج كله ومختبر استقراره، بينما تعد اليابان قطباً اقتصادياً وعلمياً وتقنياً هاماً لا يمكن الاستغناء عنه في أي برامج تنموية يمكن أن تدشنها دولة من الدول. وبحكم موقع الدولتين في محيطيهما، وبالنظر إلى ما تمثلانه من مكانة، وما تقومان به من أدوار في النسقين الآسيوي - العربي والعالمي، فإن كثيراً من المراقبين والمتابعين اعتبروا أن زيارة العاهل المفدى، وهي الأولى من نوعها وتأتي بدعوة من إمبراطور اليابان، ستدشن مرحلة جديدة في عمر العلاقات الثنائية، خاصة أن كلتا الدولتين تعملان بكل ما أوتيا من قوة وجهد من أجل رفعة شعبيهما والوصول بهما إلى المكانة التي يرجونها، ولا يتركان فرصة إلا ويسعيان من خلالها تحقيق ما يصبوا إليه بلديهما من تقدم وازدهار. ويمكن القول إن كلا من البحرين واليابان يبديان حرصهما وترحيبهما الدائم لكل ما من شأنه دعم وتعزيز علاقاتهما الثنائية، ولعل ما يؤكد ذلك الاعتبارات الثلاثة الآتية: 1 - قدم العلاقات الثنائية، التي ترجع إلى العام 1934م بعد أن تم إرسال أول شحنة نفط بحرينية إلى اليابان عقب اكتشاف النفط في البلاد في ثلاثينيات القرن الماضي، وكانت اليابان من أوائل الدول التي اعترفت بإعلان البحرين لاستقلالها مطلع السبعينيات، ولم يستغرق الأمر أكثر من أشهر معدودة حتى أُقيمت علاقات دبلوماسية بينهما في العام 1972م ثم تلاه فتح مكتب ارتباط للسفارة اليابانية عام 1983م ثم سفارة كاملة عام 1988م، وفي سبتمبر 2005م تم افتتاح سفارة البحرين في اليابان. وتعكس هذه النظرة الموجزة والسريعة لقدم ومراحل تطور العلاقات الثنائية المشتركة بين البحرين واليابان عن عدة أمور جوهرية، منها: الحرص الكامل على تفعيل وتنمية العلاقات في شتى المجالات، والسعي الدؤوب من قبل قيادات البلدين لتعزيزها عبر فتح كافة الأبواب اللازمة لذلك، خاصة أن توجيهاتهما في هذا الشأن تقضي بالعمل على تذليل أية عقبات يمكن أن تعترض طريق التعاون المشترك، ناهيك بالطبع عن دعم مسيرة العلاقات الثنائية نحو مزيد من التنسيق في مختلف القطاعات وبما يخدم مصالح البلدين الاستراتيجية. 2 - حجم وكثافة الزيارات المتبادلة، التي قد لا يتسع المجال هنا لذكرها كلها، وإن كان يمكن إبراز أهم سماتها ودلالاتها، فهي من جهة تقام على أعلى المستويات الرسمية في البلدين، ولعل زيارة سمو ولي العهد إلى طوكيو ومباحثاته مع المسؤولين هناك ولقائه الإمبراطور الياباني في أكتوبر 2008م تعبير واضح عن ذلك، كما أنها تغطي كافة القطاعات السياسية منها والدبلوماسية والدفاعية والبرلمانية والتجارية والاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية، إضافة إلى أنها زادت كثافة خلال السنوات الخمسة الأخيرة في ظل الظروف التي يشهدها العالم اليوم والتي تدعو إلى التعاون والتكاتف الإقليمي والدولي. وفي هذا الشأن يجدر التذكير بأن الزيارات المتبادلة بين المملكة واليابان قد زادت في هذه الفترة القصيرة نسبيا عن الـ 30 زيارة متنوعة، وشملت، كما أُشير سلفاً، كل أطر التعاون والتنسيق المشترك، كما قام بها مسؤولون عديدون، واستهدفت تحقيق عدة أمور كانت أبرز نتائجها: - دعم الروابط المشتركة بين البلدين لا سيما منها على الصعيد الأهلي، فقد بلغ مثلا عدد اليابانيين المقيمين في المملكة نحو 220 يابانياً في يناير 2009، حسب بعض الإحصائيات، وأسسوا جمعية أهلية تمثلهم وترعى شؤونهم في البلاد، بل أنهم عملوا على تأسيس مدرسة خاصة لأبنائهم. كما تم تنظيم دورات لتدريس اللغة اليابانية في جامعة البحرين، واُفتتح مركز خاص بالدراسات اليابانية بها منذ العام 2000، وشارك شباب بحريني فيما عرف ببرنامج سفينة شباب العالم، وأسسوا جمعية خاصة بذلك عملت على تنمية أواصر الصداقة التي تربط البلدين، الأمر الذي اُعتبر تجسيدا حقيقيا على الرغبة في تعزيز العلاقات بين شعبي الدولتين. - الاستفادة من التجربة العلمية والتقنية اليابانية في تطوير المناهج الوطنية لما لذلك من أهمية قصوى في نقل الخبرات العالمية المتقدمة إلى المملكة وتطوير الكوادر العلمية والتجارب المهنية للشباب البحريني الواعد، والمعروف أن نحو 23 طالبا بحرينيا من خريجي الجامعة كان قد تم إيفادهم إلى اليابان لاستكمال بحوثهم ودراساتهم العليا منذ فترة، وتم تأسيس صندوق خاص للصداقة البحرينية ـ اليابانية في يونيو 1990 سعى إلى دعم وتعزيز العلاقات الثنائية. - تنظيم برامج للتبادل الثقافي من خلال استضافة الفرق الفولكلورية المعروفة فيما بين البلدين، ولهذه البرامج أهمية قصوى في التعريف بثقافات الشعبين والترويج لها في الأوساط المختلفة ما يعلي من قيمة التعاون المشترك ويرسخ من الثوابت التي يمكن البناء عليها في القطاعات الأخرى، ولعل العروض الفنية التي أقيمت في المملكة مؤخرا كجزء من مهرجان ربيع الثقافة والاحتفال بإعلان المنامة عاصمة للثقافة العربية 2012 واُستضيفت فيها بعض الفرق التقليدية لليابان، دليل على ذلك. 3- التفاعلات التجارية المشتركة، وهي تقدم في الحقيقة نموذجاً يُحتذى لما يجب أن يقوم بين الدول من تعاون، والمعروف هنا أن الكثير من الشركات اليابانية تعمل في البحرين وأنجزت عدة مشاريع لها في العديد من القطاعات، المالية منها والتجارية والصناعية، الأمر الذي كان سببا في إنشاء مكتب تمثيلي لمجلس التنمية الاقتصادية البحريني باليابان منذ العام 2000 استهدف ليس فقط جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال اليابانية، وإنما تنويع المحفظة الاستثمارية البحرينية أيضاً، فضلاً عن توطين التكنولوجيا ونقل الخبرات اليابانية إلى المملكة. جدير بالذكر أن” اليابان تعد من بين أكبر الشركاء التجاريين للمملكة، وتحوز وحدها على 8% من تجارة البحرين مع العالم، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 1.347 مليار دولار أمريكي عام 2008”. يذك أن هناك العديد من آليات التعاون التي ساعدت على تنمية الأواصر التجارية بين البلدين لعل أهمها تبادل زيارات وفود رجال الأعمال ومباحثات أعضاء الغرفة التجارية مع الوفود اليابانية التي قدمت إلى المملكة خلال الفترة الأخيرة وتنظيم الفعاليات المشتركة وما إلى ذلك. وتبدو أهمية هذا الأمر بالنظر إلى أن البحرين تسعى للترويج للفرص الاستثمارية لديها وتدوير عجلة النشاط الاقتصادي، وربما كان توقيع غرفة تجارة وصناعة البحرين لمذكرة تفاهم مع جمعية الصداقة البحرينية اليابانية دليلاً واضحاً على ذلك، ما يعكس الرغبة في توفير السبل اللازمة لتحفيز النمو الاقتصادي وتذليل الصعوبات التي تواجهه.