قلنا في مقال أمس إن هناك من يرى الخير لنفسه ويستكثره على غيره وتلك حقيقة حاصلة ومطبقة لدينا، كما هناك عقليات أكثر غرابة وهي العقليات التي تحصل في حياتها على كل شيء بالمجان ووفق امتيازات تخص حياته وعائلته وتستكثر أن يحظى بها الآخرون الذين قد جاؤوا بهذه الأمور بعد جهد ومشقة وعمل متواصل، متناسين أن الإنسان بالنهاية فطرته تقوم على حاجات ورغبات، فالإنسان بحاجة أمام ضغوط الحياة المستمرة إلى السفر وممارسة أنشطة ترفيهية وأمور قد تصنف أنها ضمن قائمة الكماليات، بل إن من يمارس الضغط على نفسه ليل نهار لأجل توفير حاجات عائلته وأبنائه يحتاج للسفر وللاستجمام بين وقت وآخر أكثر من أي شخص آخر!

مثل هذه المواقف غالباً نراها في المدارس بين الطلبة أو بين الأهل مثلاً عندما يكون هناك طفل لشخص يعمل في جهة بها امتيازات، فيحصل على تذاكر السفر والسكن وسيارة فارهة بالمجان، ويدفع بدلاً عنه تدريس أطفاله في أرقى المدارس، وتأمين العلاج في أغلى المستشفيات، مقابل طفل آخر هو صحيح منتظم في مدرسة راقية ولكن والديه يعملان ليل نهار ويبذلان الكثير من المشقة والتعب حتى يجعلاه بمستوى بقية الأطفال ويحصل على تعليم أفضل ولا يتحسس من أنه أقل من أقرانه في البيئة التي يعيش فيها، فالمستفز هنا عندما ترمى كلمة على هذا الطفل من ابن «كل شيء بالمجان» عليه بالطبع لن يقبل ولن يرضى وسيجده إنساناً «متكبراً» يرى نفسه عليه رغم أن ما لديه لم يأتِ من صنع يديه وتعبه ولم ينجز فيه! كما أن مساواتهم هنا غير منطقية كمثل ما أشارت إليه عضوة مجلس الشورى منى المؤيد بخصوص دفع الضريبة عند شراء السيارة بين الغني والفقير!

قد تكون أحد أسباب تحسس الشارع البحريني أيضاً، لأن وسائل النقل في مملكة البحرين بالأصل غير متعددة وذات خيارات كثيرة تعوض الفقير عن شراء السيارة مثل ما يحدث في بعض دول العالم، حيث بعض الطبقات بتلك المجتمعات لا تمتلك سيارة لعدم حاجتها إليها أصلاً أمام توفر شبكات المترو السريعة، فيما بمملكة البحرين الفقير والغني يتساويان في مسألة شراء السيارة كونها وسيلة النقل الوحيدة المتوفرة والاختلاف الوحيد قد يكون في نوعية وجودة السيارة وهل هي من وكالة أو مستعملة، لو تم عمل دراسة في مملكة البحرين عن نوعية القروض التي يلجأ لها الناس لن نتفاجأ إن اكتشفنا أن السبب الأول يكون غالباً شراء سيارة!

معظم الشباب بالأصل وفي بداية مقتبل حياته يضطر للاقتراض لشراء سيارة تأخذه إلى موقع عمله أو جامعته إن كان يدرس، بل كثير من الشباب إن كان طالباً جامعياً يضطر للعمل لأجل توفير قسط السيارة وتوفير مستلزماتها من تأمين وصيانة وغيرها، ولا أعتقد أن هناك بحرينياً لا يعرف شخصاً واحداً على الأقل قد اقترض لأجل شراء سيارة حتى وإن كان من ذوي الدخل المحدود جداً أو فقير كما يسمى لأنها «يده وريله»، فمصطلح فقير بالأصل مصطلح يختلف تفسيره في المجتمع البحريني مثلاً عن بقية مجتمعات الدول الأخرى، ومعنى فقير في البحرين ليس ذلك الذي لا يستطيع شراء سيارة، بل هو شخص مليء بالقروض والالتزامات ولا يصل إلى منتصف الشهر إلا ووجد نفسه غير قادر على تلبية احتياجات زوجته وأبنائه!

إحساس عابر:

هناك من يمارس «طائفية التصريحات الرسمية»، فتجده يهاجم بشراسة ويقود حملات من نوعية «الفجور في الخصومــــة» ضد أي تصريح أو موقف من مسؤولين ليسوا من مذهبه مقابل سكــــوته وصمته وتغاضيه عن أي مســؤول من مذهبه!! سلوكيات هؤلاء المتناقضة فعلاً غريبة وعليــــها علامة استفهام!