أحلى الأوقات هي التي تقضيها سعيداً تستبشر فيها بجمال الأيام والقادم الجميل، وترمي وراء ظهرك كل الآلام والصعاب وأمزجة البشر المتعبة.. أنت من تحكم على نفسك بأن تكون في مقدمة ركب السعداء أو في مؤخرته، فلا تغفل لحظة واحدة عن مراجعة نفسك والانتباه لها قبل أن تنقضي اللحظات السعيدة بدون أن تحس بها.. أنت من تحلي أوقاتك بأن تستمتع باللحظة الآنية التي تعيشها تاركاً خلفك كل الظنون والأوهام.. اليوم ليس كالأمس.. والغد ليس كاليوم.. فالغد سنشد المئزر لعشر أخير حلوة نترقبها طيلة العام، وندعو المولى أن يبلغنا إياها ففيها ليلة خير من ألف شهر من حرم أجرها فقد حرم.. هنا تأتي اللحظات الجميلة في رمضان.. تأتي الأوقات الحلوة التي لو خيرونا لتمنينا أن يكون العام كله رمضان لما فيه من حلاوة الأنس بالله في كل مناحي الحياة.. في العشر الأخير ستكون لك كلمة أخرى في عبادتك مع الله.. فاجعلها أحلى الأوقات ولا تفرط فيها قيد أنملة، واترك مشاغل الدنيا جانباً فهي لا تنتهي.. تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأخير من رمضان أحيا ليله وأيقظ أهله وشد المئزر وجد واجتهد في العبادة حتى يدرك ليلة عظيمة تكتب فيها الأرزاق.. 20 يوماً سريعة مضت من أعمارنا.. حتى كتابة هذه الكلمات لا أعلم كيف رحلت.. لا أعلم كيف مضت وماذا قدمت فيها.. كنت أبحث فيها عن أي عمل يقربني إلى ربي.. كنت أشتاق أن أترنم بقراءة كتاب الله.. وأسمع تلاوة جميلة.. أسكب فيها الدمعات أغسل من خلالها نفسي المقصرة.. «وعجلت إليك رب لترضى».. نعم اجعلها عنوان أوقاتك الحلوة في العشر الأخير.. لا تدع أي سارق للوقت يصرفك عن ربك.. لا تدع أي انشغال يشغلك عن ربك.. وقتك ثمين.. لأنه لا يقاس بأي ثمن.. هل أنت معي بأنك اليوم إنسان ضعيف قوي بربه.. لذا عظم المولى في نفسك، وراقبه جيداً واستمتع بأيامك الحلوة مع الله وحده.. عشرة أيام عشها بذاتك وقلبك ومشاعرك وعيونك الدامعة.. فإذا سجدت فاسأله حاجتك.. وادعه خوفاً وطمعاً.

ومع أحلى الأوقات كانت هي بالنسبة لي صورة تتكرر أحاسيسها كل عام مع احتفاء الأطفال بذكرى تراثنا الشعبي «القرقاعون».. كانت هذه الفترة بالنسبة فترة حلوة مازلت أتذكر جمالها وجمال أصالتها وأسمع أصوات المحبين فيها.. فمع كل قرقاعون أتذكر دفء الأيام الجميلة التي كنا نعيشها في الطفولة يوم أن كنا صغاراً.. هناك في «الفريج»، الجميل الذي كنا نلعب فيه بدون أن نحس بالغربة، وبدون أن نخاف أن يمسنا أي سوء.. كان الفريج بالنسبة لنا يمثل الشيء الكثير.. نستعد للقرقاعون «بطبولنا»، فنجمع علب النيدو وأكياس الإسمنت حتى نصنع طبل القرقاعون.. وحينها كانت لدي «طارة» خاصة تميزت فيها بين رفاقي.. وما إن تهل ليلة القرقاعون إلا وننطلق في الفريج ونقرع أبواب الجيران بلا استئذان ونصدح «سلم ولدكم» وكنا نجمع القرقاعون في «كيس واحد» وأشرف حينها على وضعه في «الكارتون» فتقوم أختي في نهاية الليلة القرقاعونية بتوزيع القرقاعون والنقود بشكل عادل بين أعضاء «فريق القرقاعون».. هكذا كانت الأوقات الحلوة في ليلة القرقاعون آنذاك.. أما عن والدتي رحمها الله.. فهي لها أصداء أخرى في نفسي.. تدمع عيني بلا استئذان عندما أتذكرها وأتذكر حنيتها.. فقد حرصت رحمها الله في كل عام أن تجهز أكياس القرقاعون كعادة كريمة في كل مناسبة.. وكانت آخر عمل قامت به قبل أن ترقد على سريرها الأبيض قبل الرحيل الأبدي.. إعدادها لأكياس القرقاعون.. فقد دخلت عليها تلك الليلة وفي يدي أصناف متنوعة للقرقاعون.. تعودت أن أشتريها «لأم الخير».. فمازلت أتذكر ابتسامتها وضمتها الحنونة.. هي أمي التي استمتعت بأوقاتها الحلوة.. كانت كريمة في كل مناسبة.. لا ترضى أن «يزعل» أي طفل من أحفادها.. لأن قلبها النقي وكرمها وإنسانيتها هي التي طغت على المكان التي كانت تسكن فيه.. هي أوقات القرقاعون الجميلة التي تذكرني بأحلى الأوقات.. رحمك الله يا أمي الحنونة.. وجمعني وإياك في الفردوس الأعلى مع الوالد الحبيب وكل من نحب.

هي أحلى الأوقات التي نعيشها مع من نحب.. مع عائلتنا الكبيرة التي عشنا فيها صغاراً وتربينا بين أكنافها في البيت العود مع إخواني وأخواتي الأعزاء.. أحلى الأوقات عندما نتناسى كل صغائر الحياة، ونهمش كل ما يعكر صفونا، ونستمتع بأوقات جميلة مع تلك الكوكبة الحلوة من الأحفاد الذين باتوا يزينون تجمعنا الأسبوعي الجميل بشقاوتهم وبراءتهم.. هي الأوقات الحلوة التي نعيشها بين أكناف عائلتنا، فلا نفرط فيها أبداً ففيها الخير وفيها صلة الرحم.. والرحم معلقة في عرش الرحمن، تنادي: اللهم صل من وصلني، واقطع من قطعني. هي لقاءات الحب والحنان، فعندما تتبادل الضحكات وتغني للأطفال وتلاعبهم كما كنت تلعب في الصغر، وتعلمهم أن الحياة تتجمل بالأقرباء والأهل، فمعهم تحلو الحياة وتتعلم الأجيال كيف تعيش لكي تحصد الأجر، وتتعلم مهارات الأيام، وتتعلم أن الوصال هو وصال الوالدين أحياء وأمواتاً.. فمن البر أن تصل ود أبيك بعد موته.. أحلى الأوقات تقضيها مع إخوانك وأخواتك فهم سندك في الحياة الباقية، وهم من سيقفون معك في شدائد الأيام، فلا تتخيل لحظة واحدة أن تكون بلا أهل.. لأن نفسك المحبة للخير تقبل جبين كل من له أثر في حياتك من أهلك وخلانك.. وعجبي من عائلات هجرت أحبابها وانقطع وصالها وباتت تبحث عن لقاء واحد يجمعها حتى تعيد ذلك البر الذي عاشته في أيام الآباء والأمهات.. اليوم أنت تسعد بأوقاتك مع أهلك.. وفي الغد سيسعد فلذات كبدك مع أهليهم.. وهكذا تسير الحياة.. فلا تفرط بأجمل الأوقات.. وهنيئاً لمن جلس يقبل أقدام والديه يتلذذ بأوقاته معهم.. فاغتنم هذه الفرص قبل أن تقرصك أوقات الندم.. حينها لا ينفع البكاء على اللبن المسكوب!!

* ومضة أمل:

هنا في أيام رمضان أحلى أوقاتي أقضيها في مناجاتك يا رب.. أكرمني بكرمك.. وارزقني عبادة وطاعة أستلذ فيها بمناجاتك.. أكرمني بحياة أسخرها كلها في عمل الخير.. ثقتي أن تمسح على قلبي بالطمأنينة والسكينة وتصرف عني وعن أحبابي وأهلي وجميع المسلمين كل شر وسوء وبلاء وسقم.. آمين.