اهتمت مملكة البحرين بالتسامح والتعايش السلمي منذ مئات السنين وزاد الاهتمام أكثر مع انطلاق المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، فتم النص على التسامح في ميثاق العمل الوطني وفي دستور مملكة البحرين المعدل لعام 2002 وتعديلاته، إضافة إلى الدخول في العديد من الاتفاقيات الدولية المعنية باحترام قيم ومبادئ التسامح والتعايش السلمي، بالإضافة إلى صياغة تشريعات داخلية متطورة تواكب التطور في المجتمعات الإنسانية، وتم غرس مفاهيم وقيم التسامح والتعايش السلمي في العملية التعليمية والممارسات اليومية.

ولعل صدور إعلان مملكة البحرين حول التسامح والتعايش السلمي في عام 2017 ليؤكد أن المبدأين من المرتكزات الأساسية ليس على المستوى الداخلي فقط وإنما أيضا على المستوى الدولي، فاتجه الإعلان لتوحيد الرؤى وتعزيز التوافقات الدينية والمجتمعية والثقافية، واستهل الإعلان في افتتاحيته بالتأكيد على أن «الجهل عدو السلام»، وأن «من واجبنا أن نتعلم ونتشارك ونعيش معا، من خلال مبادئ الإيمان بروح الاحترام المتبادل والمحبة»، وقدم الإعلان خمسة مبادئ رئيسية تمثل الموروث الوطني والحياة البحرينية التقليدية وما تتمتع به من تسامح وتعايش سلمي وهي: مبدأ المعتقد والتعبير الديني ويقصد بها أن الحرية الدينية وحرية المعتقد من الأساسيات التي لا يجب المساس بها وأن على رجال الدين المتطرفين عدم زرع بذور الفتنة وتدنيس أسم الله، وأن الحوار بين الأديان يجب أن يكون على أسس من التفاهم والاحترام المتبادل، ومبدأ حرية الاختيار ويقصد بها رفض الاحترام القسري وأكد على حرية كل فرد في ممارسة دينه بشرط ألا يؤذي الآخرين وأن يحترم قوانين الأرض، ومبدأ تحديد الرب وقصد منها أن لكل فرد الحق في اختيار ربه، إلا أن الإعلان أكد في هذا الجانب أن جميع الأديان والمعتقدات ترفض الاستدلال باسم الله من أجل العنف ضد الأبرياء، ومبدأ الحقوق والواجبات الدينية حيث أكد هذا المبدأ على ضرورة ضمان حقوق الأقليات في التجمع والعبادة والتعليم والاحتفال وممارسة متطلبات دينهم، ومبدأ الأمل والإيمان وأشار إلى ضرورة تعليم الأطفال اللطف والرحمة والأعمال التي توحدنا لا تفرقنا، وأهمية أن يضطلع بهذه المسؤولية أشخاص من ذوي الإيمان الصادق.

ويعتبر هذا الإعلان مرجعاً عالمياً يهدف إلى تعزيز التسامح والتعايش السلمي من أجل تحقيق السلام ومكافحة الإرهاب والتطرف والعنف والتعصب والكراهية.

وقد أكد جلالة الملك في مقالة نشرت له في صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية في 10 أكتوبر 2017 أن «التنوع الديني في مملكة البحرين نعمة»، وأن «العالم سيكون أكثر أمناً وازدهاراً إذا تعلم كيف يستوعب التمايزات بين الأفراد باعتبارها عنصر دعم وقوة وتكامل بين الناس وبعضهم البعض» وأن «من المهم أن يتعرف العالم كما تعرفت البحرين على جمال هذه الاختلافات بين البشر»، وبالتالي فإن منظور مملكة البحرين للتسامح والتعايش السلمي جاء من «أن جوهر التعايش في مملكة البحرين هو احتفاظ كل منا بدينه وهويته وخصوصيته كاملاً من غير نقصان، على أساس من الثقة والاحترام المتبادل بين الجميع» وهو ذاته الأمر بالنسبة إلى نظرة مملكة البحرين للعلاقات الخارجية واحترام التمايز بين المجتمعات الدولية سواء على أسس دينية أو مذهبية أو عرقية أو اجتماعية وأهمية الحوار والتلاقي بين الحضارات المختلفة والثقافات المتنوعة لتعزيز المنجزات العالمية وتحقيق السلام العالمي.

وجاءت المنجزات المتتالية لتبرز الموروث الوطني والإنجازات الحضارية في مجال التسامح والتعايش السلمي منذ انطلاق المشروع الإصلاحي من تشريعات وطنية انطلاقاً من ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين المعدل لعام 2002 وتعديلاته، والانضمام إلى العديد من الاتفاقيات الدولية وتشريع القوانين المحلية التي تسهم في ممارسة وتعزيز التسامح والتعايش السلمي، إضافة إلى إصدار وثيقة مؤسسات المجتمع المدني للتسامح الديني والمذهبي والإعلان العالمي لمملكة لبحرين، وإنشاء مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي والترخيص لمؤسسات المجتمع المدني للعمل في هذا المجال وتدشين كرسي جلالة الملك للحوار بين الأديان ودراسات التعايش السلمي في جامعة سابينزا العريقة الأمر الذي أسهم في خلق نموذج تسامحي وتعايشي وتنموي ناجح ورائد في المنطقة يحتذى به ويعتبر نموذجاً استرشادياً يمكن أن يطبق على الكثير من دول العالم التي تشهد تراجعاً في مستوى احترام قيم التسامح والتعايش السلمي.

وأختم هنا بمقولة جلالة الملك أن «مملكة البحرين أقوى بسبب تنوعنا» وأن « عالمنا سيكون أكثر أماناً وازدهاراً عندما نتعلم التعرف على جمال هذه الاختلافات» وأن الحرية الدينية ليست «مشكلة بل هي حل حقيقي للعديد من التحديات الكبرى في عالمنا وخاصة الإرهاب الذي لا يعرف أي دين ويهدد جميع المحبين للسلام. انتهى.

* كاتب ومحاضر ومحلل سياسي