هناك قناعات وثوابت لابد وأن نثبتها مراراً وتكراراً عبر التأكيد عليها دوماً.

أولاً: «الحرية»، إذ لا تراجع عن التأكيد على أنها أحد الدعامات والركائز الرئيسية للمشروع الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله.

ثانياً: «حق التعبير»، وهو مكسب عززه المشروع الإصلاحي أيضاً، بحيث أصبح اليوم حقاً أصيلاً للمواطن التعبير عن رأيه وأفكاره بلا خوف أو قلق طالما أنها تقع ضمن «السياق الإصلاحي»، ولهذه المصطلح تفصيل سأتطرق له أدناه.

ثالثاً: «المشاركة الشعبية»، وهي أيضاً بالإضافة لكونها ركيزة أساسية من ركائز المشروع، إلا أنها في نفس الوقت محور هام، على أسسه عادت الحياة النيابية للبحرين مجدداً، وبات للناس كلمة في القول والفصل بشأن من يمثلهم، وبموجب التمثيل يحق لهم المشاركة الأصيلة والفاعلة في صناعة القرار.

الآن، هذه الركائز الثلاث تأتي من ضمن ركائز عدة لعملية تطوير البحرين التي قادها ملكنا العزيز، لكنها تحظى بأهمية أكبر كونها ترتبط ارتباطاً مباشراً بالإنسان، أي أنت يا مواطن.

البعض قد يقول إنه في الآونة الأخيرة بات الرصد لحالة الحريات والتعبير عن الرأي يكشف عن رحابة أقل مما كانت عليه في السابق، أي بالضبط منذ بدء التصويت على ميثاق العمل الوطني إلى بعيد محاولة الانقلاب الآثمة في عام 2011، ولربما يكون هذا الطرح صحيحاً نظراً لعدد حالات الاستدعاء القانونية لأفراد عبروا أو كتبوا آراء كان لها ردات فعل في الشارع وتفاعل معها الناس.

المبررات حددت بأفعال مثل «التحريض» المباشر أو غير المباشر، أو «إحداث بلبلة أو توتر في المجتمع»، أو «زعزعة الثقة في القضاء»، أو «المساس برموز وطنية»، أو «الطعن في مواقف ثابتة للدولة»، أو أخيراً «الإساءة لدول جارة وصديقة لها علاقاتها الوطيدة بالبحرين».

هنا يكون تشخيص المشهد ضرورياً ولازماً، وتقترن به عوامل عديدة معنية بالظروف المكانية والزمنية، إضافة إلى المتغيرات الإقليمية والدولية، دون استثناء الوضع الاقتصادي الصعب والمعقد بالتأكيد.

الثابت الرئيس هنا أنه لا مساس بالحريات، وأن التعبير عن الرأي حق مكفول، في ظل المطالبة للنواب بأن يكونوا على قدر ثقة من صوتوا لهم وأوصلوهم لكراسيهم، لتكون المشاركة الشعبية حاضرة ومتجسدة على الأرض وبقوة.

لكن حتى نضمن «قدسية» هذه الركائز، بحيث لا نشهد تراجعاً في مساحة أفقها رحب يفترض، لابد من ربطها بعامل مهم هو ما وصفناه «بالسياق الإصلاحي»، إذ الحرية نفسها ليست مطلقة بلا محددات، وكما يقال «الحرية تنتهي عندما تتعدى على حريات الآخرين»، فما بالكم بوطن هو أسمى من الآخرين.

كل منا قادر أن يدافع عن فكرته من منظوره، وقد أكتب شيئاً أو أعبر عن رأي، لأتفاجأ بأنني مساءل قانونياً أو مطلوب للاستماع لأقوال.، في نظري الشخصي أنا مصيب وما قلته أمر عادي، لكن بتركيبه على السياسات العامة، وبمواءمته مع التوجهات الرسمية التي تؤثر فيها المعطيات والمتغيرات والظروف، قد أكون وقعت في أحد المحظورات المذكورة أعلاه، هنا كلمة القانون هي الأعلى، والمصلحة العليا العامة للدولة تظل أعلى وأهم من المصلحة الشخصية.

وفي ظل إغراء مساحة التعبير اللامتناهي في وسائل التواصل الاجتماعي، يظل الاندفاع والحماس عاملاً موجوداً ودائماً، فيورد الكلام بعواهنه، وقد يكون النقل لمعلومات مغلوطة واردة، خاصة في ظل وجود «استهداف سيبراني» ذو نزعة عدائية كارهة، فيختلط الحابل بالنابل، ويتأثر الشارع بالضرورة.

لذا نقول دائماً بأن الميزان في القول والفعل لابد وأن تكون أوزانه مبعثها «السياق الإصلاحي» لمشروعنا الإصلاحي. كيف نبني ولا نهدم، كيف نجمع الناس بوطنهم ولا نفرقهم، كيف نكون مدافعين عن بلدنا، ساعين لإصلاح الأخطاء فيه عبر الطرح المسؤول العقلاني، لا عبر حشد أصوات الناس بلغة تقارب لغة من يعادي البلد ويحاربها.

وطننا في حاجة لكل صوت وطني مخلص، بحاجة لنقد المخلصين بلغة مسؤولة محبة تبني وتعمر، وطبعاً الثقة في جميع المخلصين الذين لم يبيعوا شبراً من هذا الوطن، ولم يوفقوا لغتهم بلغة من خانوا البحرين ومازالوا، حتى لو كان طرح هؤلاء لمواضيع هامة مجتمعيا، لأننا نعلم أن «الأصل في الأساس»، وأساس هؤلاء هو «اختطاف البحرين»، ولو تكلموا بكلام مجتمعي نتفق معه، فإن أساسه لا يخرج عن كونه «كلمة حق يراد بها باطل»، وباطلهم هنا هو تحريض المخلصين على بلادهم، ولا شيء آخر.