قد لا يكون الموضوع جديداً.. لكنه ملح حد الغثيان. صحيح أنه أشبع مناقشة لسنوات مضت، ولكنه بات يستفحل أكثر وأكثر. وليعذرني القائمون على نشر تقنيات ومميزات مواقع التواصل الاجتماعي الذين أحترمهم جداً، ولكن هؤلاء غيّبوا الانفلات الحاصل وسعوا على نحو مجرد للتسويق لأهمية الاندماج في المجتمع من خلال الانخراط في مواقع التواصل الاجتماعي، ما أفضى فيما بعد لمتابعة «الصالح والطالح» في هذه المجتمعات، بل ولتصدرهم أيضاً.

ومع الاعتراف بما باتت تشكله مواقع التواصل الاجتماعي من أهمية وأغراض مفيدة، طغت كثير من السلبيات التي تدعونا للقول إن المجتمعات باتت في حالة انفلات اجتماعي خارج عن السيطرة، في ظل انعدام القدرة على الإجابة على سؤال «من يقود مواقع التواصل الاجتماعي؟» من حيث المنظومة القيمية، وهنا تكمن المشكلة، أن الكل قائم بالاتصال في الوقت الذي يصبح فيه الكل أيضاً متلقياً. ما دعا لانهيار منظومة القيم لدى كثيرين من خلال البعض ممن اختاروا نشر انعدام قيمهم والتبجح به علانية بل والتسويق له على أنه نوع من الحداثة الفكرية أو المواكبات العصرية أو التجديد وكثير من المسوغات الأخرى.

ظهور مهن جديدة ومفاهيم جديدة لم تكن موجودة من قبل، على نحو «ميك أب آرتست»، و«فاشن ديزاينر» وغيرها، ورغم دخولها في باب التسويق الإلكتروني الجيد لبعض المواهب واستثمارها، ولكنها خلقت حاجات جديدة في المجتمع بما يلغي كثيراً من الأنماط الطبيعية البسيطة التي كان يقبلها الناس فيما قبل دون تكلف، ما يدعو إلى عيش حياة زائفة تقليداً لحيوات أشخاص آخرين وتلبية لما بات يسمى «التطور».

مازلنا نقف على فسيفساء الأشياء، ولكن تلك الفسيفساء تشكل لوحة في غاية البشاعة عن مجتمعاتنا، فهنا كثير من النخب الثقافية كشفت عن ممارساتها اليومية الشخصية لإصابتها بهوس الظهور على «الفاضي والمليان»، ففقدت احترامها، ومصداقيتها، وهناك أشكال التحدي لاستعراض القوة على نحو غير مدروس في تحدٍّ للطبيعة البشرية نفسها والنتائج وخيمة كما حصل في تحدي الثلج ومؤخراً تحدي الكيس مفرغ الهواء. نقف على متابعة الموضات في كل شيء، في الملابس وقصات الشعر والمكياج، فنجد صرعات اللبس الغريبة والملابس التي ترتديها الفاشينستات تصبح موضة العصر وإن كانت «خيشة»، ناهيك عن شعار أضافه أحدهم إلى ملابسه في مناسبة ما، وسرعان ما تحول إلى موضة وتعبير عن قضية على نحو فارغ. لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصة لتبادل الطرائف المبتذلة بتجاوز حدود الذوق والأدب العام، وترى التعليقات أشد ابتذالاً وانحداراً، ومنصة للقذف في الأعراض وتوظيف القذف لاعتبارات شخصية واجتماعية وسياسية أحياناً، وسيلة للفضائحية بلا حدود، وسيلة للتبعية والجنون على نحو معيب وكفانا نموذج رقصة «كيكي» في وسط الشوارع العامة وإطلاق السيارات دون سائق. إلى جانب انعدام الخصوصية وتصوير أدق الأشياء من أجسادنا وبيوتنا وممارساتنا اليومية، رغم أنه لو حكم على أحدنا قضائياً بالوضع تحت المراقبة لضاق ذرعاً.

* اختلاج النبض:

ثم إلى أين؟