حضرت حفل تخرج بنتي الكبيرة الأسبوع الماضي، وكذلك إحدى قريباتي، ولاحظت الفارق الكبير بين ما تقوم به اليوم المدارس الخاصة وحتى المدارس الحكومية من حفلات تخريج لطلبة السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية، وبين ما كان يحصل أيامنا في الدراسة، خاصة مدارس الأولاد التي لم تكن تقيم احتفالات بمناسبة التخرج.

الفارق كبير جداً، والأجواء احتفالية بشكل طاغ، وهي أمور تبعث السعادة الكبيرة في قلوب الطلبة والطالبات المتخرجين، وحتى أولياء أمورهم.

تتزايد الكلمات في هذه الاحتفالات التخريجية، وتتنوع بين مسؤولي المدارس، ورعاة الاحتفالات وبين الطلبة، وكل الكلمات تركز على النجاح بعد الجهد والمثابرة، والتطلع للمستقبل وتحدي خوض الحياة الجامعية، وكيف أن المرحلة القادمة تعني كيفية تشكيل كيانك كطالب جامعي لتصل في النهاية إلى خدمة وطنك ونفسك من المكان الذي ستعمل فيه.

لكنني أعود للكلمات التي تلقى على مسامع الحضور والطلبة المتخرجين، إذ جميل أن نتمعن في مضامينها، جميل أن نرى الطلبة يشكرون أولياء أمورهم، الذين تكبدوا عناء تربيتهم وتدريسهم، وكيف أن إبراز الامتنان والعرفان من شأنه تجييش العواطف وتفجير الحب في القلوب وإجبار العيون على أن تذرف الدموع.

لكن سعادتي كانت بالغة حينما وجدت في طيات الكلمات جملاً مخصصة لرد الدين والعرفان لمن سرعان ما ننساهم حينما نتخرج، لمن يملكون فضلاً «نوعياً» علينا كطلبة، لكننا نمضي عنهم لتأخذنا الحياة وننساهم.

أتحدث عن «المدرسين والمدرسات»، هؤلاء الجنود الذين امتهنوا أصعب مهنة، وأرقى مهنة، وأخذوا على عاتقهم مهمة صناعة وتنوير أجيال تعقبها أجيال، ينقلون لهم الخبرة، ويرسخون في أذهانهم العلم النافع، ويفجرون الطاقات والمواهب عبر سبل ووسائل التحفيز والتشجيع، ويكتشفون بوادر انطلاق النجوم من المتفوقين والموهوبين ويصقلون كل جميل فيهم.

أقف احتراماً وتقديراً لكل من ذكر مدرسيه ولم ينسهم، في زمن بات النسيان أمراً تلقائياً، وبات ذكر أفضال البشر علينا نادراً بل يكاد يكون منقرضاً من أذهاننا دون أية إصابة بـ «الزهايمر»!

أتعرفون من تضاهي فرحته فرحة الوالدين فيما يتعلق بتخرج الطلبة؟! نعم، المدرسون والمدرسات، خاصة حينما يرون أبناءهم في الصفوف، وقد قطعوا أشواطاً من عمرهم في التحصيل العلمي، وأنهوا مسيرة بحلوها ومرها في الدراسة والاختبارات والواجبات، حينما يرونهم في مشهد أخير، وعلى خشبة التخرج فرحين ضاحكين سعداء، يودعون حياة المدرسة، ليدخلوا غمار الحياة الجامعية.

شعور من الفخر والاعتزاز بالإنجاز، يعتري أولياء الأمور في المنزل، وأولياء الأمور في المدرسة «المدرسين والمدرسات»، ولحظات امتنان تتضح في أقوال وتعابير غالبية الطلبة تجاه من علمهم حرفاً، فكانوا لهم من المحبين الذاكرين لأفضالهم.

والمشاهد تمر أمام عيني، حاولت أن أتذكر أصحاب الفضل علي في مراحل دراستي، منذ الابتدائية إلى الثانوية، وصولاً للجامعة في البكالوريوس، وحتى في الدراسات العليا. تذكرت أسماء عديدة، لكن بعض الأسماء تفلتت مني، ولكم أصابني أسى بأنني لم أدون اسم كل مدرس ومدرسة كان لهم فضل علي ولو بحرف، فالنجاح حينما يتحقق، لابد وأن يقترن بشكر وتقدير لكل من ساهم فيه، بالأخص ممن قدموا لنا العلم والمعرفة.

للخريجين تحية كبيرة، تهنئة أكبر، لكن اكتمال هذا المشهد الجميل يكون بتقدير المدرسين والمدرسات وإبراز الامتنان والعرفان لهم، فهم بالفعل من يشغلون «أصعب مهنة» على وجه الأرض، مهنة صناعة أجيال متعلمة واعية ومبدعة تقود المستقبل.

شكراً لكل من درسني، ودرس أبنائي، أنتم من تصنعون النجوم يومياً، أنتم من تبنون الأوطان عبر تأسيس لبناتها وغرسها غراساً طيباً. شكراً لكم بلا استثناء.