في إمارة أبوظبي انتهت أيام العزاء هادئة، وطويت الخيمة، بعد ثلاثة أيام على رحيل شعلة نشاطها الثقافي محمد خلف المزروعي.
والمزروعي أحد الوجوه الإماراتية البارزة في خلق النشاط الثقافي عبر فعاليات اتسمت بالكلمة والتراث، واسم لامع يعرفه معظم العرب المهتمين بالثقافة وإرث الإمارات والجزيرة العربية.
وكان يوم الخميس الماضي صادماً لأصحاب ومعارف محمد المزروعي، عندما رأوا سيارته المهشمة على صفحات تويتر، الذي ساق لهم خبر رحيله بحادث سير مفجع في إمارة أبوظبي.
ويعرف المهتمون بسوق الثقافة والأدب والتراث المزروعي بكنية "أبو خلف"، وكثير منهم لا يعرف من اسمه سوى "محمد خلف"، وقليل من غير الإماراتيين يعرفه باسمه الكامل "محمد خلف المزروعي".
وطوال عقد كامل، ساهم "أبو خلف" في تحويل أبوظبي إلى إمارة للثقافة، فكانت أكثر المدن الخليجية حضوراً ثقافياً، عبر تدشين فعاليات لم تقتصر على الثقافة النخبوية، وجعل من الثقافة قصة شعبية، فكان البرنامج التلفزيوني "شاعر المليون" علامة فارقة في الخليج، شكلت وعياً جماهيراً جديداً، وخطت مساراً مختلفاً للشعر النبطي، فحوله إلى مسابقة خليجية مثيرة جداً. ولم يقتصر اهتمامه على الشعر الشعبي، بل امتد إلى الفصيح، ووجد منه برنامج "أمير الشعراء" الرعاية والاهتمام، وشهد مشاركة الشعراء العرب من الخليج إلى موريتانيا.
وإلى جانب برنامج الشعر المثير، كان "أبو خلف" اسماً حاضراً في أكبر مشروعين ثقافيين قدمتهما أبوظبي للعالم العربي، الأول جائزة الشيخ زايد للكتاب، والثاني مشروع كلمة للترجمة، فالأول عبارة عن جائزة قيمة معترف بنزاهتها وقيمتها خارج الوطن العربي، والثاني يصنف المشروع العربي الأكبر لنقل خلاصة الثقافة العالمية إلى القارئ العربي. وقبل 4 أعوام عينه ولي عهد أبوظبي مستشاراً ثقافياً في ديوانه.
وعلاوة على نشاطه الرسمي في الصناعة الثقافية، كان مجلس "أبو خلف" عنواناً ثابتاً لزوار فعاليات إمارة أبوظبي.
يرثيه صديقه الدكتور علي بن تميم:
"لقد مارس محمد خلف المزروعي عن جدارة دوره كمستشار للثقافة والتراث في ديوان ولي عهد أبوظبي، ليس بما حققه من إنجازات كبيرة على المستويات الثقافية والإعلامية والتراثية فحسب، وليس لأنه أخذ من الصقارة، الهواية الأولى التي عشقها، حدة الرؤية وبعدها، وليس لأنه استلهم من الثقافة عمقها وحيويتها، ومن التراث أصالته وعذوبته، ومن الإعلام المبادرة والفعل الخلاق، بل لأنه أسس مثالاً ملهماً لنا جميعاً، وجعله ممكناً ومتاحاً باستمرار، وعلينا جميعاً أن نضعه نصب أعيننا وفاء له وإخلاصاً لسيرته النبيلة، ذلك بأن الثقافة، كما كان يؤمن بها، ليست كتلة نظرية منقطعة عن المجتمع، وليس المجتمع منعزلاً عنها، بل إنهما واحد لا يتجزأ، ولعل هذا ما جعله يدخل إلى الثقافة من باب المجتمع، بل يصالح الثقافة على المجتمع والعكس، موحداً إياهما في روح واحدة مبدعة، منجزاً هدفاً لا يقدر كثر عليه، وهو أن يجعل الثقافة غير منقطعة عن فعلها الاجتماعي، وأن يكون النموذج الفذ الذي يقتدى به في إدارته للثقافة والإعلام والتراث، وفي ولائه للوطن وحبه لأهله ولثقافتهم وتراثهم الأصيل".
رحم الله الإنسان النبيل محمد خلف المزروعي وابن عمه الفندي الذي قضى معه، وأسكنهما جنات النعيم.