تونس – منال المبروك

يتزايد الحديث عن تأجيل الانتخابات بشكل ملح في الكواليس السياسية التونسية، ويبدو أنه جرى الحديث عن هذا الأمر في اجتماعات رفيعة المستوى مؤخرا، فيما تشير تطورات الساحة السياسية إلى وجود مقايضات بين الأحزاب الكبرى من أجل ترحيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية إلى ربيع 2020.

وبالرغم من عدم إفصاح الأحزاب الكبرى عن حقيقة رغبتها في تأجيل الانتخابات خوفا من ردة فعل الأطراف الرافضة لذلك إلا أن المهتمين بالشأن السياسي يشيرون إلى أن كل الأطراف السياسية المترشحة ترغب في ذلك لمزيد من الاستعداد غير أنها تهاب الإفصاح عن ذلك وتدفع بالرئيس الباجي قائد السبسي إلى اتخاذ هذا القرار.



وبحسب الروزنامة التي أعلنت عنها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات "هيئة الاقتراع" يفترض أن تجرى الانتخابات البرلمانية داخل الجمهورية التونسية في 6 أكتوبر المقبل، فيما ستجرى الانتخابات الرئاسية في الداخل في 10 نوفمبر المقبل.

كما يفترض في حال المحافظة على الروزنامة المعلن عنها أن يبدأ المترشحون للانتخابات الرئاسية في تقديم ترشحاتهم بداية من 27 أغسطس المقبل، غير أن قرار تأجيل الانتخابات قد يلغي هذه المواعيد ويجبر هيئة الاقتراع على إعداد روزنامة جديدة وفق ما قد تقتضيه التغيرات المتسارعة التي تعيش على وقعها الساحة السياسية في تونس.

وأمام سقوط مبرر الأوضاع الأمنية لتأجيل الانتخابات، حيث أكد وزير الدفاع التونسي عبد الكريم الزبيدي، بمناسبة الذكرى الـ 63 لتأسيس الجيش الوطني، منذ أيام قليلة، أنّ "الوضع الأمني مستقرّ على جميع المستويات، وهي من أحسن الفترات التي شهدتها البلاد"، لا تزال بعض الجهات تسعى لإدخال نوع من الإرباك السياسي لتحقيق أهدافها.

ويجد قرار تأجيل الانتخابات معارضة واسعة من طيف كبير من التونسيين وجمعيات مدنية تعتبر أن تجاوز الآجال الدورية الدستورية للمواعيد الانتخابية يمكن أن يشكّل ضربة كبيرة لصورة الانتقال الديمقراطي في تونس.

ويرى البعض أن الرئيس الباجي قايد السبسي قد يكون من أكثر الرابحين إذا تأجلت الانتخابات، إذ تشير المعطيات الحالية إلى تراجع جناح نجله في حزب "نداء تونس"، وحاجته الشديدة إلى مزيد من الوقت لتحقيق مبادرته الرامية لتوحيد الحزب من جديد، وجمع العائلة الوسطية المشتتة على أحزاب كثيرة، وتقدم كل منافسيه عليه في هذا الشأن.

ودعا زعماء 5 أحزاب سياسية وممثلو منظمات نقابية وحقوقية إلى عدم تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تونس، في رد على الدعوات التي صدرت في هذا الاتجاه عن شخصيات سياسية عدة بينها الوزير ناجي جلول المستشار في الرئاسة التونسية والأمين العام لـ"نداء تونس"حزب الرئيس الباجي قائد السبسي، الذي انقسم إلى حزبين منذ مؤتمره الوطني الشهر الماضي.

وفسر دعاة التأجيل موقفهم بالمخاطر الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في تونس والجزائر والحرب في ليبيا ومخاطر "تعفّن" الوضع في كامل المنطقة. واستدلوا بالمادة الـ80 من الدستور الذي يسمح للسلطات العليا بتأجيل الانتخابات في البلاد عندما تواجه "خطراً داهماً".

في المقابل، أعرب محمد الغرياني، الأمين العام لحزب "المبادرة الدستورية" وآخر أمين عام للحزب الحاكم في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وعصام الشابي الأمين العام لـ"الحزب الجمهوري" والوزير إلياس فخفاخ رئيس المجلس الوطني لحزب "التكتل"، عن معارضتهم الدعوات لتأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في شهري أكتوبر ونوفمبر المقبلين.

ويعتبر المحلل السياسي منذر بالضيافي أن نتائج عمليات سبر الآراء التي كشفت مؤخرا خسارة الأحزاب السياسية الحاكمة لمواقعها لفائدة صاعدين جدد في ترتيب نوايا التصويت تغذي رغبة الأحزاب الدافعة نحو تأجيل الانتخابات لكسب حيز من الوقت يسمح لها بإعادة ترتيب أوراقها.

وقال بالضيافي لـ"الوطن" إن "نتائج سبر الآراء تكشف وبشكل متطابق إلى تواصل تدحرج شعبية حرة النهضة"، مؤكدا "نفور النخب منها بالرغم من المراجعات المعلنة سواء المتعلقة بفصل الدعوي على السياسي أو تلك النافية للصلة بالإخوان".

وأضاف أن "تيار الإسلام السياسي لا ينتعش إلا في مناخات الاستبداد مستفيدا من خطاب وموقف المظلومية"، معتبرا أن "الديمقراطية والمشاركة في الحكم تنزع عنهم ورقة التوت، وتبرزهم بلا برنامج للحكم".

ويرى المحلل السياسي منذر بالضيافي أن "انتخابات 2014، التي أنهت خرافة أو أسطورة أن الإسلاميين لا ينهزمون في انتخابات حرة وديمقراطية، ستدعم في انتخابات 2019 ما يفسر ربما الدفع نحو تعكير الأجواء السياسية في تونس من أجل تأجيل الانتخابات".

والأسبوع الماضي أجرى البرلمان التونسي بتحالف بين كتلة حزب رئيس الحكومة يوسف الشاهد وحركة النهضة تعديلات على قانون الانتخابات يهدف إلى قطع الطريق عن مترشحين برزوا في نتائج استطلاعات الرأي على غرار نبيل القروي صاحب قناة "نسمة" الإعلامية وجمعية "عيش تونسي" التي تترأسها التونسية المقيمة بفرنسا ألفة التراس وهو ما اعتبره البعض ضربا للديمقراطية وتكريسا جديدا لديكتاتورية الحكم.