بعد حضورنا اللقاء الأول «نداء المنامة» في يناير الماضي وما تلتها من مبادرات متنوعة تضمنت محاضرات توعوية حول أهمية المنامة التاريخية، وما قامت به الهيئة من جولات مفتوحة للجمهور للتعرف على ملامح المدينة العمرانية والثقافية بالإضافة إلى صناعة لقاءات ما بين المهتمين باستعادة جماليات المدينة ومختلف فئات أهاليها، ها هي اليوم ومن جديد واستكمالاً «لنداء المنامة واحد» تواصل هيئة البحرين للثقافة والآثار مجهوداتها الواضحة لإدراج المنامة التاريخية على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو كإحدى مدن الإبداع في العالم «إذ تمتلك المدينة تركيبة عمرانية فريدة وتنوعاً ثقافياً يؤكد على أهميتها كمركز للتعايش والسلام، حيث تمكنت الهيئة بفضل هذه المقومات من إدراج المنامة على القائمة التمهيدية لمواقع التراث العالمي».

قبل أيام حضرنا اللقاء الثاني لنداء المنامة بمتحف البحرين والذي استضافت فيه هيئة الثقافة مدير التنمية والتطوير في البنك الدولي سامح وهبة، حيث شرح وبيَّن أهمية تنشيط المدن القديمة والتاريخية والمنافع الاقتصادية التي تعود على الدول نتيجةً لاستعادة هذه المدن لدورها الأصيل، عبر عرض نماذج عالمية ناجحة للاقتداء بها، متطرقاً إلى إمكانيات وفرص محاكاة هذه النماذج العالمية وتطبيقها في المنامة القديمة، نظراً لما تمتلكه المدينة من مقومات حضارية وتنوع ديمغرافي مميز. كما تحدث عن أهمية الاستثمار في المناطق القديمة في المنامة وعلاقة ذلك بارتفاع سعر العقار فيها لأهميته، مشيراً إلى التحديات حول مسائل الاستثمار في المنامة القديمة وإلى الاكتظاظ السكاني فيها ودور البنية التحتية لتطويرها، كما تطرق إلى أهمية التطوير الحضري من خلال الاعتماد على تطوير التراث الثقافي، وأن تطوير المدن التاريخية والمحافظة عليها وربطها بالتطوير الحضري في غاية الأهمية لما تغدقه من أموال طائلة على الدولة، باعتبارها محركاً للاقتصاد عبر تنشيط الحركة السياحية فيها.

نحن اليوم في أمس الحاجة لتطوير المنامة القديمة، وأن يتكاتف الجميع من أجل المساهمة في الإبقاء على تراثنا والمحافظة عليه عبر مجموعة من الجهود التي تصب في صالح المنامة التاريخية، فنحن كلنا مسؤولون عن صناعة التاريخ والمحافظة على التراث الوطني من الضياع عبر الاستثمار فيه، فوهبة طرح لنا عبر «نداء المنامة 2» كيف تغيرت خارطة السياحة في دول عديدة بسبب تطوير المدن التراثية القديمة فيها، والتي عمر بعضها أقل بكثير من عمر المنامة القديمة، مما يحفزنا هذا الأمر على أن نتحرك جميعنا في هذا الاتجاه.

الأهم في هذا المسألة، هو أن تقوم الدولة نفسها بدعم هذه المشاريع التي تعتبر مصدراً حقيقياً للدخل القومي لو تم ضخ موازنات كافية من ميزانية الدولة لمثل تطوير هذه المدن، لأن الدولة نفسها سوف تجني أموالاً ضخمة من خلال تطوير المدن القديمة وعلى رأسها «المنامة»، ولن تضيع أموال التطوير هباء منثوراً، لأنها وضعت في الاتجاه الصحيح، وهذا لن يكون إلا بعدم المساس بموازنة هيئة الثقافة، باعتبارها الواجهة الحقيقية التي تبرز تاريخ مملكة البحرين وتراثها وعبقها وحتى اقتصادها.