تعلمت الشطرنج لكنني لست لاعباً دائماً، ربما -كما قال غاندي- لأني لا أحب أن يفنى جيشي بأكمله من أجل ملك واحد، كما لم أحب لعبة البوكر حيث تمتزج أفكار لاعبها بوجدانه فيغضب ويفرح كالمجنون بوتيرة غير طبيعية بين لحظات سحب ورقة وإلقاء أخرى. وهذه الأيام لا يمكن أن يتجاوز المراقب حقيقة أن ما يجري بين طهران وواشنطن هو صراع إرادات بين كهلين من الرجال، هما الرئيس ترامب والمرشد خامنئي، دع عنك القيم الديمقراطية أو نظام الشوري الذي يقول إن قرار الحرب عند الطرفين جماعي وليس فردياً. فما يجري هو صراع بين ثقافتين متناقضتين، فثقافة خامنئي عقائدية متمسك بها لكونها قديمة ومجربة لقرون، ولا خيار فيها غير الإيمان المطلق بثوابت المعتقد. أما ترامب فمن ثقافة براغماتية حديثة، يتصدر أدواتها المنهج التجريبي فيملك حق إطلاق عنان المقاتلات ثم إرجاعها لقواعدها بعد عشر دقائق وتلك رفاهية ذهنية لا يملكها خامنئي. فالرئيس ترامب يديرها وكأنه يلعب البوكر فتلك طبيعته وشخصيته. لكن من قوانين البوكر وضع الرهان إن كنت تثق أن لديك الأوراق الأقوى. لكن ترامب متردد ولم يراهن على الكل وهو الهجوم الشامل بل وضع حاملة الطائرات خارج هرمز. كما أن لاعب البوكر إذا كان غير واثق مما في يده فلا يغامر بالرهان. وينسحب من الجولة. ولعل هذا ما فعله ترامب حين سقوط الطائرة المسيرة حيث هدد وازبد ثم تحول إلى البحث عن الأعذار للإيرانيين. وربما هي حيلة بوكر فإذا كانت أوراقك ضعيفة لكنك تريد المواصلة فعليك بالمراوغة. وحتى إذا تحول ما يجري إلى لعبة بوكر فاللعب ليس في صالح واشنطن فالأوراق التي في يد ترامب ضعيفة لأنها مكشوفة تظهر أن واشنطن تتبنى فكرة الردع، لكن ما جدوى الردع إذا كان القائد العام يكشف السر بقوله لن نحارب. وثاني أسباب الخسارة أن لا مسدسات مع الكاوبوي الجالس على الطاولة فهو يريد الحرب دون أكلاف. أما ثالث الأسباب فهو أن إيران تعرف حدود ترامب، لذا لم تتردد في إسقاط الطائرة المسيرة بعد اعتراض خمس ناقلات حتى الآن. أما خامنئي فيدرك صحة القول إذا أردت أن تقتل رجلاً فعلمه الشطرنج، فهو يلاعب الأمريكان كأنه يدير لعبة الشطرنج الاستراتيجية التي يلعبها لاعبان فقط. فهو مركز على لعبة معقدة بيادقها في سوريا والعراق واليمن ولبنان ويحرك فيل في الدول الأوروبية وقلعة في الصين أوروسيا، ليبقى الملك وهو نظام الملالي دون موت أو أسر. لكن دقة التركيز على منع سقوط «النظام/الملك» أفقده التركيز على الطبقات الإيرانية قرب الرصيف، فأهمل القطع وصار جل اهتمامه ليس الأزمة الاقتصادية بل بجعل ترامب فى حالة دفاع فقط عن الناقلات والطائرات المسيرة.

* بالعجمي الفصيح:

من مصائب الرئيس ترامب أن لعبة البوكر الأكثر شيوعاً المسماة تكساس هولديم «Texas Hold’em» والتي بدأت في 1900، ثم شملت العالم، يعود أصلها للعبة «ناس» الإيرانية التي وصلت أوروبا في الحروب الصليبية، وسميت pochen في ألمانيا. فكيف سيغلبهم فيما اخترعوه. حيث لا يبقى له إلا تغيير قوانين اللعبة.

* كاتب وأكاديمي كويتي