الاستقرار الأسري هو استقرار المجتمع، والمجتمع لا ينمو ولا يزدهر إذا طال النخر في توازن الأسرة، فهناك دول تسعى جاهدة لتحقيق الضمان الاجتماعي للفئة المتضررة وتسعى لإيجاد الحلول من خلال تعديل في القوانين أو سن تشريعات عادلة، لذا لا بد من أن تتضافر الجهود بأمانة تامة لتحقيق الاستقرار لأقصى حدوده. وحتى يتحقق الاستقرار لا بد من إرساء الطمأنينة لكل فرد من أفراد الأسرة، وبخاصة الزوجة، لأنها مفتاح الاستقرار لكل أسرة، فمن حق الزوجة في ظل ما تشهده من حالات طلاق كثيرة بأن تشعر بالطمأنينة، ولا بد من قانون يساندها ويضمن لها الاستقرار من خلال السكن. فالأسرة تستطيع أن تعيش في بيت خالٍ من الأثاث أو بيت مقطوعة عنه الكهرباء، ولكن لا تستطيع الأسرة أن تنام في الشارع أو في السيارة، فالسكن هو السكون للأسرة وهو أيضاً سكون للمطلقة أو المعرضة للطلاق، ولا ننكر المساعي الكثيرة للحد من ظاهرة العنف ضد المرأة من خلال حزمة من القوانين والتشريعات التي تصب لصالح المرأة وأطفالها، لذلك السكن هو أولوية من أولويات الزوجة أيضاً.

أقسى خيانة هي خيانة الإنسان لأهلة، خيانة للعشرة الطويلة، خيانة للعهد ونكث الوعد الذي يقطعه الزوج لصون حقوق أهله -زوجته وأولاده- الخيانة تكمن حين يتحول الزوج إلى إنسان آخر في تصرفاته وسلوكه. فهذه زوجة تسرد لي قصتها المهددة بالطرد من بيتها لأنها ما عادت حاضنة، تحكي عن زوج سيئ العشرة معها ومع عيالها، وكثيراً ما كان يضربها ويضرب عياله برغم أنها عاشت معه عمرها كله قرابة الأربعين سنة. زوج لا ينفق عليها ما اضطرها إلى بيع حليها لتصرف على نفسها وحتى تكمل دراسة أحد أبنائها، طلقها مرة ثم أرجعها لذمته قبل إتمام عدة الطلاق. هذه الزوجة تعيش في جحيم وتخشى على أبنائها منه. تقول إنها لا تستطيع أن تطلب الطلاق لأنها ليس لها مكان آخر غير هذا المنزل -بيت إسكان- هذا المنزل ساعدت فيه الزوجة زوجها بمالها الذي ورثته بعد وفاة والديها لاستكمال بناء البيت كإضافات ضرورية بعد أن كبرت أسرتهم واحتاجوا للتوسعة، ومع ذلك هي صابرة تحتسب من الله عز وجل أن يفرّج لها كربها. هذه السيدة الفاضلة سردت لي الكثير ولكني سأكتفي بما طرحته، لأنه مهما كتبت لا أحد غير الله يعلم معاناتها وألمها والقهر الذي تعيشه كل لحظة مع زوج لا يتقي الله ولا يراعي العشرة الطويلة التي جمعتهم معاً تحت سقف واحد.

والسؤال، ما الذي يجبر هذه الزوجة ومثيلاتها على السكوت على العنف الجسدي والنفسي؟ قد يتصور البعض بأن الطلاق لمثل حالتها هو الطريق الأقصر لحل مشكلتها أو تهديد الزوج بمركز الشرطة قد يحل المسألة، فهذه الحلول بالنسبة لها لا تنفع خصوصاً بالنسبة للمرأة التي لا تعمل والتي ليس لديها عقار أو مال وليس لديها مكان يؤويها، فالبقاء مع هذا الزوج الذي لا يتقي الله جحيم والطلاق جحيم آخر، لذلك كثير من الزوجات المعنفات والمهددات بالطلاق لا تحبذ أن تطرد من منزل الزوجية لأن ليس لها سند أو مكان يؤويها حتى وإن مست كرامتها إلى أبعد الحدود، ولكن هذا قدرها كما تظن، فهناك الكثير من العنف المسكوت عنه في داخل الأسرة، والسبب ليس الضعف وإنما الخوف من أن تصبح الزوجة بعد الطلاق في الشارع، لذلك يتمرد الزوج أحياناً على ضحيته.

تستطيع المرأة البحرينية أن تعيش مطمئنة من خلال قانون ينصف زوجات كثيرات من الظلم والتهديد الواقع عليهن، تستطيع أن تعيش مع أبنائها بكرامة بدل الذل والمهانة، حتى الزوجة غير المعنفة قد تشعر أحياناً بعدم الراحة خشية أن يتقلب الدهر عليها وتصبح بلا مكان، كل ما في الأمر بأن يلتفت المشرّع إلى حماية المرأة من التهديد المصرّح أو الخافي، وذلك من خلال تعديل في القانون الخاص بالسكن، فأي زوج انتفع من وزارة الإسكان من أرض أو قرض أو وحدة سكنية ومضى على زواجه 15 سنة وأكثر يحق للزوجة أن تشارك زوجها المنزل حتى وإن لم تساهم معه بدينار واحد، يكفي بأنها السبب لاستحقاقه للمنزل بعد أن تزوجها، ويكفي بأنها عاشت معه في كل مراحل الزواج بحلوه ومره، ويكفيها أنها ساعدت وساندت وتدبرت أمور بيتها. فوالله لو كانت هذه الزوجة التي استعرضتُ لكم قصتها تمتلك نصف البيت، ما تجرأ الزوج أبداً على أن يضربها أو يهددها بالطرد من المنزل، بل على العكس سيحسبها ألف مرة قبل أن يطلق أو أن يضرب، فهذه الجرائم اللاإنسانية التي تسلب من المرأة استقرارها وسعادتها. هذا واقع المرأة البحرينية اليوم، فهي تخاف أن تطرد من بيتها فلمجرد أن ينتهي عقد الزواج ينتهي كل شيء حتى مكانها، هذا التعديل إن تم فهو سوف يقلل من حالات الطلاق، وسوف يقلل أيضاً من مطالبة المطلقة أو الحاضنة للسكن، وسوف يتحقق المعنى الحقيقي للشراكة الزوجية، ولكن نحتاج إلى جرأة في الطرح. وللمقال بقية.