الهوس الذي أصاب وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بأرداف "كيم كاردشيان"، ما إن ظهرت عارية على غلاف مجلة paper قبل أيام، يبدو مفهوماً تماماً إن قلبنا صفحات التاريخ ابتداءً من أقدم ما نعرفه عن آثار الإنسان، في العام 28 ألف قبل الميلاد، حينما كان الإنسان يستخدم كل مخيلته لينحت تمثالاً عشتاريا ذا أرداف شبيهة بأرداف "كاردشيان"، ثم تقدمنا إلى عصور الجاهلية عند العرب، حينما كان شعراؤنا يخطون قصائد ومعلقات الغزل بالمرأة "العبلاء"، أي من كان أعلاها – خصرها - خفيفاً وأسفلها – ردفها - كثيباً.
ويُفهم الأمر أكثر، إذا ما استندنا أيضاً إلى آخر الدراسات العلمية، والتي يقر أغلبها أن أرداف "كاردشيان" تحقق العنصر الأهم لجاذبية الذكر لجسد الأنثى منذ بدء التاريخ، إنه النسبة بين محيط الخصر لمحيط الأرداف، بمعنى أن الرجل تستهويه المرأة ذات الخصر النحيف والأرداف الكبيرة، على الأقل، بحسب دراسة عرضت على متطوعين صوراً لنساءٍ تم تعديل محيط خصرهن وأردافهن وأثدائهن بالـ"فوتوشوب"، وراقبت تحركات حدقات أعينهم أثناء تأمل هذه الصور قبل تقييمها، وخلصت إلى أن ثنايا المرأة هي أول ما ينظر إليه الرجل، وخصوصاً الانحناء الذي يصل الخصر بالأرداف.
ويبلغ غزل الدراسات العلمية للمرأة ذات الأرداف الكبيرة أقصاه، في دراسة قامت بها جامعة "كاليفورنيا" عام 2007 واشتملت على 16 ألف امرأة، استخلصت تجاربها أن المرأة ذات الأرداف الكبيرة والخصر النحيف تكون أذكى من تلك التي يتقارب فيها محيط الأرداف بالخصر - سواء كانت نحيلة أو بدينة - بل إنها تورث هذا الذكاء لأطفالها أيضاً، وفسر حينها العلماء هذا الكشف الغريب بكون أن الدهون المتراكمة في الأرداف تحوي شحوم الـ"أوميغا3" - الموجود أيضاً في السمك - والمثبت علمياً أنه يحسن من القدرات الإدراكية للإنسان، ويورث الذكاء للطفل إن تناولته المرأة أثناء الحمل، في حين فأن الدهون المتراكمة في الخصر تحوي "أوميغا6" والذي يلعب أدواراً أقل أهمية ولا يحمل فوائد كبيرة.

أرداف "كاردشيان" عمرها 30 ألف عام
ضخامة أرداف "كاردشيان" تذكر أيضاً بالتماثيل العشتارية، أو ما يُعرف بالإنجليزية بـ Venus figurines، وهي أقدم الآثار التي نعرفها اليوم عن الإنسان القديم، نملك منها مئات القطع التي تتراوح أطوالها بين 4 و25 سنتيمتر، ويعتقد علماء "الأنثروبولوجي" أنها تعود إلى عصور ساحقة، بين عامي 22 ألفاً و28 ألفاً قبل الميلاد، بحيث إن إنسان تلك الحقبة وضع كل مخيلته في هذه التماثيل لما اعتقد أنه "الأم الكبرى"، أي الآلهة المؤنثة التي نحتها على شكل أصنامٍ ليعبدها، في أوروبا خصوصاً حيث اكتشفت هذه الآثار.
ويبدو أن التضخيم المبالغ به للأرداف في تلك التماثيل يرمز إلى الخصوبة، إنها الطريقة التي جُسدت فيها المرأة في تلك العصور، بحيث تُهمل في هذه التماثيل كل التفاصيل الأخرى، من رأس وأكتافٍ وأيدي، وتبرز الأرداف والحوض الممتلئ، كما الأثداء الكبيرة، لترمز للأنوثة والخصوبة والقدرة على الإنجاب، وهو ما يتلاءم أيضاً مع دراسات حديثة وجدت أيضاً أن المرأة ذات الأرداف الممتلئة أكثر خصوبة من النحيلة.
اكتشف أول تمثال عشتاري عام 1908 في النمسا، ثم تتالت الاكتشافات لمئات التماثيل المشابهة حول العالم، جميعها يعود لعصور ما قبل التاريخ بعشرات آلاف السنين، واصطلح على تسميتها بتماثيل "عشتار" أو "فينوس"، رغم أن شهرة اسم "فينوس" يعود لآلهة الخصوبة اليونانية والتي ظهرت فعلياً بعد آلاف السنين عن التماثيل الصغيرة، بأجسام نحتها فنانو أثينا بشكل أكثر تناسقاً لا تحتل فيه الأرداف نصف الجسد.

وفي الشعر العربي أيضاً تحدثوا عن "كاردشيان"
وأما في الشعر العربي القديم فتحضر أرداف "كاردشيان" أينما حلّت معلقات العزل، فقد كانت الأرداف الممتلئة هي أكثر ما يستثير ريشة الشعراء في وصف الأنثى، فتفننوا في وصف المرأة "الخديجة"، أي ممتلئة الذراعين والساقين، وتتبعوا خطوات المرأة "العبلاء"، أي تلك التي يرتج ردفاها أثناء المشي، وشبهوها بالناقة ذات السنامين حينما كان من المستحب والمألوف التشبيه بالحيوانات في الشعر، كما وصفوها بـ"خرساء الأساور"، طالما أن البدانة تمتد لرسغ اليد فتمنع ارتطام الأساور واهتزازها.
يرد مثلاً في معلقة "عمرو بن كلثوم" - المعلقة الخامسة- بيتاً يقول فيه: "ومتنى لدنة سمقت وطالـت ... روادفهـا تنوء بمَا ولينا"، ويسترسل "المتوكل الليثي" في وصف الأرداف الممتلئة والخصر النحيف فيقول:
إذا تمشي تأود جانباها .. وكاد الخصر ينخزل انخزالا
تنوء بها روادفها إذا ما .. وشاحها على المتنين جالا
ويماثله الشاعر "شهاب الدين الخلوف" حينما يصف محبوبته في مطلع قصيدة بـ: "ومثقلة الأرداف مهضومة الحشا .. منعمة الأعطاف ناعسة الطرف"
وبمقابل مئات الأبيات الشهيرة التي تغزل فيها العرب بالأرداف الممتلئة والخصر النحيل، والتي كانت ستتضاعف حتماً لو أنهم عاشوا زمن "كيم كاردشيان" وصورها العارية التي احتلت الاهتمام الأكبر خلال الأيام الماضية، ترد بالمقابل قصائد تسخر من المرأة النحيلة التي كان العرب يقولون عنها: "أعوذ بالله من زلاء ضاوية كأن ثوبيها علقا على عود".