كان يا ما كان في غريب الزمان بلدة آمنة غنية، بحرها يكن أندر أنواع المرجان، فازدهر اقتصادها وانتعش بفضل هذا النوع من المرجان. ومن خير موارده عمروا بلادهم وقدموا أفضل الخدمات لمواطنيهم وعاشوا في رخاء، واهتموا بالعمران حتى أنك تجد على أرضهم جميع أنواع المنشآت من قلاع، وقصور، وجسور وحدائق، فباتت آية في العمران. وذات يوم حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ خرج للناس العلماء المختصون في المرجان مذعورين وأعلنوا أن هذه الثروة التي اعتمدوا عليها، قد وقع ضرر بها فلم يعودوا قادرين على الاستفادة منها، ودقوا نواقيس الخطر، فجزع الناس وبدأ الخوف من الفقر يدب في نفوسهم، وأخذ كل منهم يعيد حساباته، فمنهم من فكر في الهجرة، ومنهم من فكر في اتباع سياسة ربط الحزام، ومنهم من بكى على مجد قد تولى.

عقد مجلس حكماء هذه البلاد اجتماعاً استثنائياً طارئاً، لمناقشة ما حل ببلدهم من كارثة، فلا كارثة أكبر من كارثة الضرر بالاقتصاد، فقرر مجلس الحكماء الاستئناس برأي جميع العلماء ببلادهم، سواء علماء البحار، أو الجيولوجيا، أو الزراعة علهم يتوصلون لمورد بديل جديد ينقذ اقتصاد البلد، وللأسف بعد أطروحات دامت ساعات خرجوا من الاجتماع صفر اليدين، حيث أكد علماء بلدهم في جميع المجالات أن أرضهم تفتقر للموارد الطبيعية.

وخلال اجتماعهم هذا كان يقف بالباب أستاذ جامعة متخصص في "أبو العلوم!!!"، طلب المشاركة في الاجتماع إلا أن سكرتارية مجلس الحكماء لم تقبل طلبه فهو غير متخصص في علم يكتشف ثروات الأرض، إلا أنه أصر على دخول الاجتماع وأخذ ينادي بأعلى صوته ويطلب المشاركة في هذا الاجتماع، وبعدما وجد الحكماء أنهم سيخرجون صفر اليدين، وافقوا على أن يعرض "أستاذ أبو العلوم" ما لديه.

دخل وكله وجل ورجاء فقال: "يا أبناء قومي، إننا كنا نزرع سنين في أيام الخير والرخاء، وحان اليوم موعد الحصاد".

اندهش الجميع وعلى رأسهم علماء الزراعة، وتساءلوا، نحن بلد غير زراعية فماذا زرعنا يا دكتور؟!!!

أجاب: كنا نزرع عقولاً!!! نعم فقد نشأنا أبناء قومنا على الإبداع حتى باتت بلدنا تعج بالعلماء والخبراء وأنتم خير مثال على ذلك.

تلك العقول التي تدربت على الإبداع في مجال تخصصها من شأنها أن تبدع في حل مشكلاتها فتبتكر مورداً اقتصادياً جديداً.

علينا أن نقسم أبناء قومنا إلى فئتين، فئة عقولها قادرة على إنتاج الأفكار، وفئة قادرة على تهيئة البيئة المناسبة للإنتاج مثل المختبرات العلمية، ومراكز البحوث، ومراكز الاختراع، وغيرها وعلينا أن نسخر الموارد المالية التي بين يدينا لدعم الأفكار التي تنمي الاقتصاد.

استحسن أعضاء مجلس الحكماء هذا الرأي ووجدوا أنه عين الصواب فأصدروا قراراً نص على ما يلي: "يسمح بالهجرة لمن تسرب اليأس إلى قلبه فقط، ويتم دعم وتشجيع أصحاب الأفكار التي تجلب موارد لاقتصادهم"، كما قرروا حل مجلس الحكماء، وتشكيل مجلس جديد وهو مجلس المفكرين.

السادة القراء الكرام: هل تعتقدون أن مجلس الحكماء سينجح في إنقاذ اقتصاد بلدهم، وهل سيبتكر طرقاً جديدة للاستثمار بدون موارد طبيعية، وما هي مجالات الاستثمار الجديدة التي سيبتدعونها؟ وإلى ماذا انتهت هذه البلدة؟

أنتظر منكم سادتي القراء خاتمة لهذه الحكاية.