لم يكن يدور بخلدي وأنا أتجول في ميناء طنجة المتوسط، الواقع في مدينة طنجة، شمال المغرب، والذي يبعد نحو 14 كيلو متراً من الضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق والأراضي الأوروبية، أن يكون هذا المشروع الاقتصادي الحيوي بهذا الحجم الكبير، والإمكانيات اللوجستية الضخمة التي تجعلك تشهد بأنه حقاً مشروع اقتصادي عملاق ومدعاة للفخر، ليس للمملكة المغربية فحسب، بل للعرب جميعاً.

ولعل أبرز ما يجسده مشروع «ميناء طنجة المتوسط» هو التفوق الذي أحرزته المملكة المغربية في كيفية استغلال الموارد البشرية، والموارد الطبيعية، ليكون المنتج هو أكبر ميناء على البحر المتوسط، وهنا لا بد من الإشارة إلى قدرة المغربيين على تطويع الموارد، سواء أكانت موارد بشرية، أو موارد طبيعية، لتصب في الاتجاه الصحيح الذي يدعم استراتيجية المملكة ليس على المستوى الاقتصادي فحسب، بل على المستوى السياسي والاجتماعي، والثقافي أيضاً، وهو ما تعد المملكة المغربية رائدة فيه بلا شك، حيث استطاعت أن توظف الموقع الاستراتيجي لـ «طنجة المتوسط» كونه يربط إفريقيا بأوروبا، لذلك اعتبرته وسائل إعلام عربية وغربية منصة متكاملة متصلة بشبكة نقل متعددة تتضمن سككاً حديدية وطرقاً سريعة من أجل نقل البضائع والركاب.

ويمكننا أن نلاحظ كيف استطاعت المملكة المغربية أن تحصد نتاج تخطيطها الذي بدأته في 17 فبراير 2003، حينما أعلن جلالة الملك محمد السادس ملك المغرب عن انطلاق المشروع الهيكلي لميناء طنجة المتوسط، حيث يجسد الميناء ثمرة الرؤية الملكية، لجعل ميناء طنجة المتوسط نموذج تنمية إقليمية متكاملة، حيث يعد الميناء مشروعاً مغربياً بنسبة 100 %، ويمتد الميناء على مساحة نحو ألف هكتار ويضم 3 موانئ رئيسة، هي، ميناء طنجة المتوسط 1»، وميناء طنجة المتوسط للركاب، وميناء طنجة المتوسط 2، إضافة إلى المنطقة الحرة اللوجيستية.

وتتوسع المشروعات والاستثمارات التي يشملها المشروع شيئاً فشيئاً، حيث يضم الميناء 4 محطات للحاويات، وبالنسبة لما يتعلق بالسيارات، تبلغ طاقة الاستيعاب نحو مليون سيارة، على مساحة نحو 20 هكتاراً. ومحطة السكك الحديدية تمتد على 10 هكتارات وتحتوي على 3 مسالك يبلغ طولها 800 متر. أما بالنسبة للمحروقات، فتبلغ نحو 15 مليون طن «من الاستيراد والتصدير»، وتمتد على نحو 12 هكتاراً متخصصة لتخزين الوقود وتزويد السفن بالوقود وشحن المنتجات المكررة وتصديرها. وهناك أيضاً السلع المتنوعة والتي تمتد على 5 هكتارات مخصصة لأنشطة الاستيراد والتصدير للشركات الصناعية الموجودة في المنطقة إضافة إلى إعادة التصدير ومعالجة نحو 800 طن من البضائع المتنوعة.

ووفقاً لما كشفه مسؤولون بالميناء، فقد أصبح «طنجة المتوسط»، أول منصة للتصدير والاستيراد في المغرب بقيمة إجمالية بلغت نحو 317 مليار درهم «33.2 مليار دولار»، من البضائع المعالجة.

وقد مكنت الإمكانات الهائلة التي يتمتع بها «طنجة المتوسط» إلى أن يحتل المرتبة الأولى في إفريقيا لاسيما وأنه استطاع في 2018، معالجة 3.4 ملايين حاوية، ولذلك لم يكن غريباً أن يحصل على علامة الجودة بكونه أفضل المنشآت التي تلبي المعايير البيئية لمنظمة الموانئ البحرية والأوروبية.

من هذا المنطلق، تخطط المملكة المغربية لتنفيذ برنامج استثماري عملاق جديد تبلغ قيمته نحو 9 مليارات درهم، «940 مليون دولار»، خلال السنوات المقبلة، في حين تم استثمار نحو 88 مليار درهم «9.22 مليون دولار»، منذ انطلاق المشروع، وفي الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل الأيدي العاملة التي يضمها المشروع، حيث يوفر نحو 75 ألف فرصة عمل، يستحوذ المغربيون على نسبة 98 % منها، ولقد مكن ذلك المشروع الحيوي المملكة المغربية من أن تحتل المرتبة الـ 17 وفقاً لتصنيف منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد».

في الوقت ذاته، يستقطب الميناء شركات عملاقة عربية وعالمية، حيث أعلن عن أن «مجموعة «بي.أس.إيه - بيجو سيتروان»، من المرتقب أن تصبح أهم عملاء الميناء، لاسيما وأنها قامت بافتتاح مصنع للسيارات في القنيطرة جنوب طنجة، على أن تنقل السيارات من القنيطرة إلى طنجة في الشمال عبر السكك الحديدية»، وفقاً لما كشفته وسائل إعلام عربية.

لذلك يمكن التنبؤ بأن هذا الميناء سوف يصبح ميناء عالمياً كونه يعد مركزاً استراتيجياً للشركات العالمية من خلال عمليات التصدير والاستيراد.

ولأن استثمار المشروع لم يتوقف عند الجانب الاقتصادي فقط، بالإضافة إلى المكانة السياسية التي تتمتع بها المملكة المغربية، لذلك كان من المهم التطرق إلى الجانب الإنساني، والاجتماعي، وفق التنمية المستدامة، الذي تغطيه استثمارات المشروع العملاق، وهنا لا بد من الإشارة إلى مؤسسة طنجة المتوسط للتنمية البشرية.

ووفقاً للمعلومات الصادرة عن المؤسسة، تعد مؤسسة طنجة المتوسط للتنمية البشرية، التي تأسست في عام 2007، جمعية معترفاً بها، ذات منفعة عامة، وغير ربحية، حيث تساهم في التنمية والمواكبة الهادفة التي تأقلم المشروع مع محيطه المباشر، كما أنها شريك للمؤسسات الحكومية والجمعيات المحلية.

ومن خلال 4 محاور استراتيجية أبرزها، «التعليم»، بشعار «زرع ثقافة التميز والحد من اكتظاظ المدارس»، و»التكوين»، بشعار، المستقبل في المنطقة للمهن الصناعية والخدماتية وإعداد الشباب»، و»الجانب السوسيوثقافي»، بشعار «تمكين المرأة، وإشعاع الجهة الشمالية»، و»الصحة»، بشعار، «الصحة المدرسية، والمساعدة، والوقاية»، تركزت أبرز المشروعات التي نفذتها المؤسسة، في التعليم، من خلال «جائزة التميّز طنجة المتوسط، والنقل المدرسي، والمدارس البيئية، والمعهد الفني»، إضافة إلى الصحة، «قافلة طبية، ومركز تصفية الدم، ومركز فنيدق للولادة»، والتكوين المهني، «توفير النقل للشباب من قصر الصغير وقصر المجاز وملوسة واجوامعة»، و»المجال الثقافي الاجتماعي»، من خلال «مركز تدريب وتنمية المهارات الخاص بالنساء في قصر المجاز، ومركز ملوسة، ومبيت بليونش للإناث، وبناء مصنع الجبن عيدادة»، والتشارك في صنع الجبن التقليدي ملوسة». ولقد كانت النتائج والحصيلة متميزة، ما بين عامي 2008، و2017، حيث أنجزت مؤسسة طنجة المتوسط للتنمية البشرية، نحو 552 مشروعاً، استفاد منها، 218277 شخصاً بشكل مباشر.

لذلك لم يكن غريباً أن نجد حصاد المملكة المغربية من هذا المشروع الاقتصادي العملاق، يظهر للعلن شيئاً فشيئاً، ويستمر لعقود قادمة، لاسيما مع الإعلان عن مشروع «مدينة طنجة تيك الملك محمد السادس»، وهي عبارة عن مدينة للتكنولوجيا والصناعات الحديثة تمتد على مساحة ألفي هكتار ومن المرتقب أن تجلب ما يزيد عن 10 ملايين دولار من الاستثمارات المباشرة وخلق 100 ألف فرصة عمل إضافية، وفقاً لما كشفه، نائب مدير عام السلطة المينائية في ميناء «طنجة المتوسط» بالمغرب، حسن عبقري.

* وقفة:

ميناء "طنجة المتوسط" مشروع اقتصادي عملاق يعانق العالمية بفضل تخطيط المسؤولين في المملكة المغربية واستطاعتهم توظيف الموارد الطبيعية والقدرات البشرية الأمر الذي يعزز مكانة المغرب إقليمياً ودولياً!