يبدو أن النظام الإيراني يتجه بقوة إلى توسيع دائرة خلافاته مع الآخرين لتشمل بريطانيا أيضاً، إذ حاولت زوارق إيرانية قبل أيام اعتراض ناقلة نفط بريطانية في مياه الخليج العربي، رداً على توقيف ناقلة نفط إيرانية في منطقة جبل طارق مؤخراً.

تلك المحاولات الإيرانية باءت بالفشل طبعاً، بعد تدخل فرقاطة بريطانية والتي أصدرت تحذيرات للزوارق الإيرانية بعد اقترابها من الناقلة البريطانية، لتلوذ تلك الزوارق بالفرار من مواجهة كانت لو حدثت ستخسر فيها إيران زوارقها لا محالة، وستفتش عن حطامها في أعماق البحر.

إن توسيع النظام الإيراني لدائرة خلافه مع الآخرين، يؤكد أنه نظام يسير إلى حتفه بالتأكيد، فالتهديدات الإيرانية للبريطانيين علا صوتها هذه الأيام، ومنها مثلاً تصريح رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، بشأن احتجاز بريطانيا ناقلة نفط إيرانية قرب جبل طارق الأسبوع الماضي، حيث أكد أن ذلك «لن يبقى دون رد، وأن إيران سترد في الوقت المناسب»، وأيضاً ما قاله كاظم صديقي، في خطبة الجمعة الماضي من أن إيران ستوجه قريباً صفعة على وجه بريطانيا لأنها تجرأت واحتجزت ناقلة النفط الإيرانية، حسبما أوردت وكالة «رويترز» نقلاً عن التلفزيون الرسمي الإيراني.

وهذه التصريحات بمثابة تأكيد إيراني على سوء نواياها تجاه بريطانيا التي أعلنت بدورها عن إرسال سفينة حربية ثانية إلى الخليج العربي، لمواجهة أي تهديدات إيرانية، ولضمان أن تتمكن المملكة المتحدة مع الشركاء الدوليين من مواصلة دعم حرية حركة السفن في هذا الممر الحيوي، كما صرح بذلك ناطق من الحكومة البريطانية، وبالرغم من ادعاء وزير الخارجية البريطاني أن بلاده لا تنوي تصعيد الوضع مع إيران، إلا أن تلك النوايا قد تتبدل بين ليلة وضحاها إذا استمرت إيران في تهديد المصالح البريطانية في مياه الخليج العربي، واستمرت في محاولاتها لاعتراض المزيد من السفن البريطانية، وإذا كانت بريطانيا دولة تتميز بالصبر و»طول البال»، إلا أن ذلك قد يتغير عندما تكشر عن أنيابها إذا ما استمرت إيران في تنفيذ تهديداتها ضد بريطانيا.

إن احتجاز ناقلة النفط الإيرانية في مضيق جبل طارق كان لسبب مقنع، وهو أن النظام الإيراني يحاول تصدير شحنات من النفط إلى سوريا، وهو ما يشكل انتهاكاً لعقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي على سوريا منذ 2011، كما أن هذه الناقلة انتهكت العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران التي تحاول دائماً الالتفاف والتحايل على تلك العقوبات، وهو ما لم يسمح به رئيس وزراء جبل طارق الذي صرح أن حكومته لن تسمح باستغلال جبل طارق للتواطؤ في انتهاك عقوبات يفرضها الاتحاد الأوروبي أو أي عقوبات دولية أخرى، في إشارة إلى ناقلة النفط الإيرانية، القادمة من بنما.

ولكن الحكومة البنمية أكدت أنها حذفت تلك السفينة من سجلاتها في 29 مايو الماضي، إلى جانب 60 سفينة أخرى تم حذفها من سجلاتها خلال الشهور القليلة الماضية، وهي سفن ذات صلة بإيران وسوريا، وذلك تنفيذاً لعقوبات المنظمات الدولية من جهة، وحفاظاً من الحكومة البنمية على سجلاتها خالية من أي سفن عليها عقوبات، ومن أي شركات متورطة في مخالفات من جهة أخرى كما صرح بذلك أحد المسؤولين في بنما، علماً بأن بنما لديها أكبر أسطول شحن في العالم إذ يضم نحو 7100 سفينة مسجلة، حيث توفر هذه الدولة لملاك السفن الأجانب سهولة التسجيل والقدرة على توظيف موظفين أجانب ولا تفرض ضرائب على دخول الملاك الأجانب.

إن ما قامت به البحرية الإيرانية من اعتراض لسفينة بريطانية هو عمل عدائي، ويجسد إصراراً إيرانياً على تهديد الأمن والسلم والإضرار بحركة الملاحة البحرية وتعريضها للخطر، وإيران عبر هذا التصرف سوف تزيد من عدد أعدائها في المنطقة والعالم، مما يعجل بزوال نظامها الذي لن يستطيع مجابهة العالم، حتى من يحالفها الآن قد يبتعد عنها لاحقاً، فمصالح تلك الدول فوق أي تحالف لا فائدة منه بالنسبة إليها، وإيران ليست من نوعية الدول التي ترعى أو تهتم بمصالح الآخرين أو تسعى إلى تطويرها، طالما مصرة على سياستها المعروفة والمرفوضة من المنطقة والعالم.