من أجمل ما شاهدت وسمعت وتابعت مشهد الفزعة البحرينية العفوية ليلة أن قال الحمدانِ في قطر سنسب البحرين ونشتمها في فيلم وثائقي نعرضه على قناتنا يوم الأحد الساعة العاشرة.

لم أشاهد الفيلم حتى اللحظة، بل تابعت ما كتب عنه وما قيل حوله في وسائل التواصل الاجتماعي حينها ولم أنتظره، كنت في انتظار قياس ردة الفعل على فيلم قالوا عنه إنه قنبلة الموسم!!! (ضحكتوني)

بشكل عام إن أردت أن تعرف أثر أي عمل فعليك بقياس ردة الفعل عليه لا مشاهدة الفعل نفسه، لأنك ستعرف إن كان العمل حقق الهدف أم لا.

وحين طبل النظام القطري على ما سماه قنبلة الموسم كان يهدف لإثارة السخط في الشارع البحريني وإلى إثارة التذمر ولتحريك الشارع، ولهذا صاحب عرض الفيلم انتشار إشاعة ارتفاع سعر البنزين في ذات التوقيت بأسلوب ممنهج ومفضوح، (المساكين) ظنوا أن ثورة ستقوم في الشارع البحريني ضد قيادته، أو أن حركتهم تلك غير مكشوفة، أو أن أحداً لن يربط بين نشر تلك الإشاعة وبين توقيت عرض الفيلم... فخاب ظنهم، فكان هجومهم الفاشل على أسوار قلعتنا مناطحة لصخرة عالية أرجعتهم لغيرانهم مهزومين.

ومن خلال متابعتي لردود الفعل والتعليقات عليه شاهدت أجمل وأرقى شعب على وجه الكرة الأرضية، ذلك الذي نسي خلافاته البينية ونسي عتبه على الدولة ونسي الضغوط المعيشية التي يتعرض لها ونسي احتياجاته ورمى كل ذلك خلف ظهره وفزع لأمه محتضناً صورة قيادته، مشهراً سيفه في وجه من يفكر مجرد التفكير بالتعرض لوطنه أو لقيادته، ليقول له حدك.

ذلك وحده ما كان ما يستحق المشاهدة، إنه شعب «ينحط على الراس» شعب «ينحط على الجرح يبرأ»، وشعب يستحق كل التقدير والاحترام والرعاية والاهتمام، إنه البحريني.

فزعة عفوية من فئات، ومن شرائح، ومن حسابات مضى عليها زمن منذ الأزمة لم تكن نشيطة أو اختفت أو انشغلت بأمور الدنيا ومشاغل الحياة وجدناها نفضت الغبار وشمرت ذراعها ونزلت إلى الساحة، حتى كتب أحدهم: ليت الجزيرة يعرضون كل شهر فيلماً مهزلة كهذا، فقد جمع «الحبايب» وأعاد لنا تلك الروح التي شغلتنا الدنيا عنها.

في مثل هذه المواقف تعرف أصالة الناس وطيب معدنهم وتعرف سماحتهم وتعرف حجم الحب الذي يحملونه، البحرين كانت أولاً في قلوبهم، بالفعل لا بالقول، البحرين ليست بحاجة لمهرجان كي تعرف مكانتها، القيادة لم تكن بحاجة لقصائد لمعرفة محبتها وقيمتها عند الناس، بل احتاج هذا الشعب إلى أن يمر في امتحان كهذا ليختبر صموده وتماسكه وثباته على العهد، وهنا أثبت البحريني أن البحرين أولاً وآخراً وقبل أي احتياج خاص في قلبه ووجدانه. كان هكذا وسيقى هكذا قلعة حصينة سورها عال لا يطول سقفها أقزام الدوحة أو خدم إيران، إنه شعب يستحق الشكر ويستحق التقدير رغم أن ما قام به هو واجبه وهو أمانته التي حملها وهو حق البيعة التي في رقبته، ولكن الشكر واجب حتى لمن قام بواجبه على أكمل وجه.

تبقى بعض الملاحظات

الأولى عوائل وأسر من رخصوا بأنفسهم وباعوها للنظام القطري من الذين ظهروا في الفيلم، عوائل وقبائل بحرينية أصيلة لا ذنب لها ولا تزر وازرة وزر أخرى فلهم كل التقدير والاحترام.

الثانية نعجز عن الشكر لفزعة أهلنا في السعودية والإمارات أثبتم أن الوفاء طبع أصيل فيكم فلا خلا ولا عدم.

الثالثة ليعذرنا أهلنا في قطر إذ نعرف أن الأمر خارج عن إرادتهم ولهذا كانت أغلب المشاركات المحسوبة على قطر إما (شامية أو مصرية) إخوانية، أما أهلنا في قطر فلم يشاركوا بهذا الفعل المخزي... والمثل المعروف كان يجب أن يكون «السنع يا حكام قطر...» لا أهلها.

الرابعة والأخيرة إن كان هذا العمل المهلهل الضعيف هو أعلى ما في خيلكم فإنه الإفلاس بعينه... وتحتاجون إلى أن تبذلوا جهوداً مضاعفة عل وعسى تتمكنون من خرق سورنا البحريني الأصيل.

ختاماً كانت سهرة مسلية فيها مرح وفيها ضحك لأن لا أحد تلك الليلة كان مهتما بكم... هناك قصة أخرى شاغلة الناس وهي قصة خلية الإخوان التي قبض عليها في الكويت وقصة قناة الأم بي سي مع أهلنا في الكويت، ولا أحد كان مهتماً بمتابعة الجزيرة، الحماس الوطني كان عند البحرينيين فقط وشهدت التحاماً بحرينياً سعودياً إماراتياً ... كثروا منها جزاكم الله خير... رغم أنها كانت مكلفة جداً بالنسبة إليكم ومضيعة لفلوسكم -كالعادة- لكنها كانت منشطة بالنسبة إلينا.